02-02-2014 11:04 AM
بقلم : د. زيد سعد ابو جسار
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ )(33)البقرة
من المعلوم ان الله تعالى ميزَخَلق الانسان في جسده وعقله ونفسه عن غيره من الَخَلق, ليتناسب مع اختياره لخلافة الارض( إني جاعل في الأرض خليفة) التي سخرها الله تعالى له وذلك لاعمارها من خلال هذا التمييز اللامحدود , هذا التكليف لا يكون الا ضمن اتباع هداية الشكر(وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ )التي توصل الانسان للفطرة التي فطر الله تعالى عليها سائر خلقه كون هذه الخلائق خلقت ضمن عقل ونفس وجسد منضبط يتلائم لما فطرت عليه , فهي تعبد خالقها بالفطرة التي لا يمكن تجاوزها لحدود ماخلقت عليه , وكما هو الحال مع سائر الكون الذي يسير ضمن محيط ماحدد له ((وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ))....
هذه الهداية يدركها العقل البشري كونه وهب القدرة على التحليل والادراك والتمييز وقدرته على التعلم واكتساب اسس المعرفة من الهداية ومن محيطه ومن التجربة ,( وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة),( فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ)هذا العقل يدرك الحكمة من وجود الغرائز البشرية التي تحث على الرغبة والحب والخوف التي يحصل منها استمرار النسل واعمار الارض وحماية الانسان,وتسخير حتى الانسان لخدمة الانسان , ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ(ال عمران 14),ويدرك الضرر من اتباع هوى النفس عندما تخرج عن تحكم العقل بها لتصبح هذه الغرائز نقمة على الانسان وصحته ,وعلى محيطه والكون .( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون), (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون)....
هذا يعني ان خلافة الانسان للارض تعني اتباع هداية الشكروالامر بها والنهي عن المنكر (وضع القدرة من تميز الانسان في خَلقه فيما يصلح الحياة واستمرارها),فان خرج الانسان عن هذه الهداية وكفر بها فان الجزاء والعقاب يكمن في سيئة الاعمال,فشرب الخمر مثلا يذهب العقل, فحياة الانسان مرهونة باعماله, والجزاء هن جنس العمل ,فلكل سيئة عقاب في الدنيا قبل عقاب الاخرة ,( ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)البقرة
ان خلافة الانسان للارض هي العبادة الحقيقية للانسان , التي تعكس السعادة عليه في جميع احواله في هذه الحياة ,وان تمييز الانسان بالَخلق في الجسد والنفس والعقل ما هو الا لتمكين الانسان من حمل الامانة (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ( 72 ) ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما ),فعبادة الكون لله عبادة طوعية فهي عبادة فطرية ,يتوصل اليها الانسان باليقين من خلال العقل لبزداد ايمان الانسان وهذا الايمان يحي القلوب بمحبة الخالق وعبادته (نور على نور ),فتتهذب النفوس لترتقي للوامة ومن ثم للمطمئنة بقربها من الله تعالى..
ان الانسان في هذه الحياة كانما يعيش الدهر,وعند موته كانما لم يعش الا لحظة ,وهذه حقيقة تجدها في الواقع ,فنحن نعيش اللحظة ,وما سلف فانه من الماضي ,فلا يبيع الانسان خلافته وامانته وسعادته واطمئنانه من الخوف والحزن ,بحفظ ذريته وكسب مودتهم الصادقة والاطمئنان عليهم في الحياة والممات ,من اجل لحظة من لحظات الدنيا العابرة,( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)