03-02-2014 11:52 PM
سرايا - سرايا - منذ ان حققت هوليوود الفيلم الأميركي المعنون (اول الدم - الجزء الثالث ) للمخرج بيتر ماكدونالد العام 1988 ، ووصولا الى الفيلم الاميركي (الناجي الوحيد) للمخرج بيتر بيرغ، الذي بدأت عروضه حديثا في الصالات المحلية والعالمية، وكلاهما عن حرب اميركا في افغانستان، يكاد يكون خطاب السينما الاميركية الفكري قد انقلب رأسا على عقب مع ثبات الخطاب الجمالي وابهاره بمشاهد المعارك والتشويق والابهار في استخدام احدث المعدات العسكرية.
يأتي مثل هذا التحول محمولا على مسوغات درامية ذات صلة بالواقع، لكنه لا يأبه بادراك عقل المتلقي، الذي يشاهد هذه الافلام ويتفاعل غالبا مع توجههاتها الدرامية والجمالية.
فعلى الرغم من سعي صناع الفيلم، التأكيد على ان احداث الفيلم الجديدة مستقاة من وقائع حقيقية ، وهذا امر لا جدال فيه، خاصة مع صدور كتاب يوثق الحادثة، وهو ما دعا هوليود الى تجسيدها على الشاشة البيضاء، ولكن بجرعات فائضة من الخيال والابهار والتشويق الدرامي على الاحداث الحقيقية.
يعلم كثير من عشاق السينما، ان النجم سلفستر ستالوني انطلق في اواخرعقد الثمانينات، تحت ادارة المخرج مكدونالد ليقدم على طريقة البطل الفرد التي برع في تجسيدها ، الجزء الثالث من السلسلة السينمائية (اول الدم)، وليقوم بمهمة قتالية انخرط فيها بمعية مقاتلين افغان ضد التواجد السوفياتي (أنذاك) في افغانستان.
لكن ابطال الفيلم (الناجي الوحيد)، في مهمتهم الجديدة، على نقيض ستالوني بالأمس، ينخرطون في معركة طاحنة ضد مقاتلين افغان، عندما تأتيهم اوامر بجلب احد قادة طالبان، الذي كان وراء مقتل العشرات من زملائهم، الذين جاءوا الى افغانستان لمعاقبة الجماعات الارهابية عقب اعتداءات الحادي عشر من ايلول في مدينة نيويورك.
مثل هذا التقلب في دوافع هوليوود في تصوير الحروب وسائر اشكال المغامرات والكوارث، مكنها من اخذ المشاهد معها الى المغامرة الجديدة التي تسري في جحيم افغانستان، وقطعا لم يكن ذلك وليد لحظته، بل جراء تلك التحولات السياسية، الاخذة في العصف بكثير من بلدان العالم، ففي العقود الثلاثة الاخيرة شهد العالم صعود وانهيار قوى عديدة، مثلما عانى ايضا، من ويلات الارهاب الذي ازهق ارواح الكثير من البشر من مختلف الجنسيات والثقافات.
على الرغم من تلك التكتلات والاصطفافات، التي جعلت من دول كثيرة تبذل اقصى طاقاتها في مواجهتهه والتصدي له ، الا ان العديد من المحللين والمراقبين رأوا ان ثمة ازدواجية في معايير تعريف الارهاب ووصفه، وذلك عبر اجراء مقارنات بين التعامل مع افة الارهاب في هذه البيئة او تلك.
في (الناجي الوحيد)، يكاد يكون نموذجا في الوقوف على تعاطي دولة كبرى مثل أميركا، في التصدي الى الارهاب، فالعمل المستمدة حكايته عن قصة وقائع حقيقية حدثت بالفعل لوحدة عسكرية من قوات النخبة الاميركية أسندت لها مهمة العثور على زعيم افغاني للاقتصاص منه، لكنها وهي في لحظة استحكام وتتبع وانتظار للانقضاض عليه، يحدث ما يعكر عليهم خطة القبض على هذا الزعيم، وذلك عندما تدخل منطقة افراد المهمة، مجموعة من المواطنين الافغان يعملون في رعي الاغنام، حيث يجري القاء القبض على هؤلاء المواطنين تلافيا لافساد خطتهم، ويحتار افراد المهمة البت في مصيرهم ، لتبرز تساؤلات مهمة امام الفريق فيما اذا اطلقوا سراحهم هل سيبلغون الجماعات الافغانية بالكمين ام يجري التخلص منهم والتخلص منهم الامر الذي جلب عليهم فضيحة في اوساط الرأي العام العالمي عبر وسائل اعلامية شهيرة تعج فيها افغانستان، ومع فقدان فريق المهمة الاتصالات مع قادتهم جري التوافق على اطلاق الرعاة، الذين يهرولون الى ابلاغ المقاتلين الافغان بمخبأ تواجد جنود المهمة، لتندلع معركة فاصلة غير متكافئة، تكون نتيجتها مقتل فريق المهمة، باستثناء جندي استطاع الهرب بمساعدة مواطن افغاني عثر على الجندي الناجي الوحيد وهو مصاب يبحث عن الماء والطعام.
يعمل المواطن الافغاني على استضافة الجندي المصاب في بيته ويحميه من القتل عقب ملاحقته من مقاتلي طالبان، قبل ان تاتي احدى الطائرات الاميركية لانقاذه واعادته الى دياره.
لا شك ان فيلم (الناجي الوحيد)، عمل على ترضية اطراف كثيرة، منها العرب، حيث يجري تكرار حوار بين الممثلين عن الرغبة في امتلاك الخيل العربية الاصيلة ، مثلما اسند صناع الفيلم احد الادوار الرئيسة والايجابية بالعمل الى الممثل الفلسطيني علي سليمان (اضطلع بالدور الرئيسي بالفيلم الاردني « الجمعة الاخيرة» للمخرج يحي العبدالله)، هذا بالاضافة الى ما تردد ان هناك رجال اعمال عربا شارك في عمليات انتاجه.
الفيلم لا يضع جميع الافغان بسلة واحدة، فهو يبرز ثقافة انسانية وعاطفة حميمة لدى شريحة من الافغان فهي تحتضن الغريب وتحميه من القتل مهما كان الثمن، فهم يختلفون مع توجهات مقاتلي طالبان الذين يقدمهم الفيلم باشكال صارمة من الحدة والقسوة، وفي الفيلم مشهد يقومون فيه بقطع رأس مواطن بذريعة التعاون مع الاميركان.
ويصور الفيلم تفاصيل من الواقع الصعب داخل بيئة قاسية تحتوي على افاع وحشرات سامة يعيش فيها الجندي الاميركي وكانه في عزلة، حيث يمضي ايامه بانتظار لحظة عودته الى اميركا لتحقيق احلامه البسيطة بتكوين اسرة والعيش بهدوء او امتطاء خيل عربية اصيلة!.