04-02-2014 09:24 AM
بقلم : د. زيد محمد النوايسة
حين تشكل النساء ما يقارب 50% من عدد السكان، وترتفع النسبة في مجال التعليم والدراسة بكل المراحل لتتفوق على الذكور، ويظل التمثيل السياسي لهذا المكون الأساسي باهتاً، ومتواضعاً، وخجولاً، وفي أحسن الأحوال ديكورياً ومظهرياً ومن باب رفع العتب أمام العالم المتحضر، وانسجاما مع ما تفرضه بعض معايير الاتفاقيات الدولية، والتي تركز على ضرورة تمثيل المرأة كمؤشر للعدالة والديمقراطية وتساوي الفرص، ثمة خلل بنيوي في التفكير والثقافة، لا ينكره ذو بصر وبصيرة!!.
في الأردن، كان التمثيل السياسي للمرأة لسنوات خلت، يدخل ضمن حدود هذا الفهم ولا يخرج عن إطار الشكليات، تماما كالرأي الأخر في صحف الأنظمة الشمولية، والأعلام الموجه، وان حدث وقدمت امرأة لموقع سياسي، تكون تلك الشخصية منقطعة الصلة مع القطاع التي تمثله، فيتم إحضارها من "نخب" الصالونات في عمان، أو المصاهرات السياسية، والعائلية ليكون الهدف الأساسي المجاملة والإرضاء أو تسديداً لفاتورة وفاء شخصية، أو علاقة اجتماعية، وليس استجابة لأي صيغة تمثيل حقيقية!!، ومما "زاد الطين بله" زحف الجراد عليها كما يقال!!، فلقد اكتشفت الحكومات في بلادنا "وليتها ما اكتشفت"!! أهمية اللجوء إلى بعض ممثلات مؤسسات المجتمع المدني والمدعومة والممولة من دول ومنظمات دولية؟!!، واعتمدتها مرجعية وحيدة للتمثيل النسائي، ومنحتها المنابر للتعبير، فقدمت صورة بائسة عن المجتمع الأردني للعالم، وعبر كل وسائل الأعلام، حيث المجتمع الذكوري، والرجل المتجهم والعابس المهيمن، القاتل، والمجرم الذي يستل خنجره لمجرد أن ابنته أو شقيقته تكلمت مع رجل، أو أنشئت حساباً على موقع تواصل اجتماعي؟!!.
وهنا استعرض معظم من تسنم المواقع من السيدات المحترمات، وهن بطبيعة الحال موضع التقدير لشخوصهن وللكفاءة المهنية اللواتي يحملنها، ولكني ابحث عن المرأة الأردنية وهمومها ومشاكلها، فلا أجد لا في الشكل ولا في المضمون أو الرؤيا والمشروع ألا حديث ممل عن المادة العتيدة (308)، والنضال المستميت للإلغاء، فاختزلت كل قضايا المرأة فيها، لتشعرك أن الأردنيات في الأطراف والمحافظات، حصلن على كامل حقوقهن في التمثيل السياسي، والعمل، والمشاركة في كل مناحي الحياة، بالرغم من أن الواقع لا يعكس هذا الأمر مطلقاً!!.
في هذا الصدد، وبالرغم من أن قانون الانتخاب، أو قانون الصوت الواحد موضع خلاف وطني كبير،والدفاع عنه مهمة مستحيلة وفاشلة مهما بلغت القدرة على خلق المبررات ووسائل الإقناع، ألا طبعا ممن حملهم وسيحملهم دائما ذلك القانون، تظل الايجابية الوحيدة فيه "الكوتا" النسائية بكل صراحة، والتي ظلت ومنذ الانتخابات النيابية في عام 2003، هي الفرصة الأهم لوصول المرأة للبرلمان، لا سيما وان الحزب الوحيد الذي ظل متماسك في الأردن هو العشيرة ، والعشائر بكل ما تحمل من صور وقيم جميله، تصر على تقديم رجال القبيلة وفرسانها، فقط للتمثيل البرلماني!!.
قدمت الكوتا النسائية للعمل البرلماني نماذج كفوءة من الأردنيات اللواتي حملن قضايا المجتمع، وشكلن حالة جديدة في الطرح، والالتزام بالناس وهمومهم، والاهم أن أولئك السيدات يشبهن البيئة التي انتخبن منها، فلا تكلف ولا مظهرية خادعه، ولا قضايا مخملية، لا تطعم الناس خبزاً، ولا مؤتمرات عن تمكين المرأة يمثل النساء فيها من يتعامل معهن بفوقية واستعلاء، وممن يقفن عائقاً أمام تطور دور المرأة وتأثيرها، بفعل انتهازية التمثيل الأبدي المزمنة في بلادنا!!.
والحقيقية أن ذاكرة الأردنيين تختزن تلك الأسماء جيداً، سواء من كانت معارضاً حاداً للسياسات الحكومية أو وسطياً أو منسجماً مع الرؤيا الرسمية، والأكيد أن هذا التمثيل النسائي بكل أطيافه وألوانه السياسية خلال الدورات البرلمانية الأربع الأخيرة، وخصوصا في الغرفة الثانية "مجلس النواب"، قدم أداء برلمانياٍ رفيعاً، ومحترماً ومثمراً، ولا يمكن لمتابع موضوعي أن ينكره أو يتجاهله، وان حدث ذلك فهو عنوان للجحود والنكران، ولا يمثل الصورة الحضارية للأردن.
اكتب اليوم، بعد تواتر الأخبار من مطبخ التنمية السياسية الرسمي، أن العمل جاري على قدم وساق للإعداد لقانون انتخاب عصري يستجيب للناس وأحلامهم، ربما أن فيه توجه لإلغاء الكوتات عموما؟!!، ومنها النسائية بطبيعة الحال، وهي أخبار "غير سارة" مطلقا أن كانت صحيحة!!، وستدخلنا في مأزق جديد وعواقب غير محمودة، فمن الضروري تنمية الحياة الحزبية والسياسية وتطوير القانون الانتخابي بحيث نضمن لأدوات التمثيل السياسي إيصال كل المواطنين بمختلف مرجعياتهم الاجتماعية، والعرقية والدينية، عندها سنقول نعم المواطنين الأردنيين متساوون في الحقوق والواجبات انسجاما مع الدستور!!، فلا يعقل أن يكون القانون الانتخابي مصمم ليكون العدد هو الأساس في الفرز والانتخاب في مجتمع عشائري، ونتحدث عن مفهوم المساواة الدستورية!!، صحيح أن الكوتات هي أحدى عناوين الفرز السياسي والاجتماعي غير الايجابي وتتناقض موضوعيا مع قدسية المواطنة، ولكنها في المجتمعات "النامية" ديمقراطيا مطلوبة مرحلياً على الأقل، وحتى تبلغ التجربة الديمقراطية أشدها، وتخرج من حواضن "الخداج" السياسي تدريجياً، يمكن حينها أن نقول أن الكوتا ليست صالحه أو مناسبة لمجتمع تتأصل فيه الديمقراطية وتتجذر!!.
ختاماً، من المناسب أن نذكر بان التجربة البرلمانية للأردنيات تستحق الإشادة، والحماية، والتأسيس، فالمرأة هي عماد الأسرة واللبنة الأساسية لأي مجتمع، وتطوير مساحة مشاركتها وتمكينها سياسيا ينعكس ايجابياً على الوطن، ويظل الأمل معقود على المشرع الأردني في تحصين دورها وحقها في التمثيل السياسي بما يتناسب مع أهميتها،وبما يليق بالنشميات الأردنيات، الأمهات، والشقيقات، والبنات، للمساهمة في العمل الوطني ومسيرة العطاء، فعهد الوأد السياسي انتهى!!.