19-02-2014 01:51 PM
سرايا - سرايا- القاهره- تبدء سرايا اعتبارا من اليوم بنشر حلقات قصة القبض علىى الجاسوس المصري عبد الله الشبيني الذي تم القاء القبض عليه بتهمة التجسس لصالح اسرائيفل.
تالياً نص الحلقه الاولى
ترتبط أجهزة الأمن القومى عادة بالثورات، باعتبارها مناخًا مناسبًا لممارسة دور وطنى مهم فى الخارج والداخل لاستكمال أهداف الثورة، بالإضافة إلى أن المخابرات والاستطلاعات تلعب أدوارًا متعددة، والحصول على مصالح ومكاسب ربما فشلت الحرب فى تحقيقها.. البداية كانت بعد ثورة يوليو 1952 حيث أصدر الرئيس المصرى الراحل جمال عبدالناصر (1954–1970) قرارًا رسميًا بإنشاء جهاز استخبارى حمل اسم «المخابرات العامة» فى عام 1954، وأسند إلى زكريا محى الدين مهمة إنشائه، بحيث يكون جهاز مخابرات قويًا لديه القدرة على حماية الأمن القومى المصرى. ورغم جهود كل من زكريا محى الدين وخلفه المباشر على صبرى؛ فإن الانطلاقة الحقيقية للجهاز كانت مع تولى صلاح نصر رئاسته عام 1957، حيث قام بتأسيس فعلى لمخابرات قوية، واعتمد على منهجه من جاء بعده، وإنشاء مبنى منفصل للجهاز، وإنشاء وحدات منفصلة للراديو والكمبيوتر والتزوير والخداع.
قام الجهاز بأدوار بطولية عظيمة قبل وبعد حرب 1967، وهذه العمليات هى التى ساهمت بدورها بشكل كبير فى القيام بـحرب أكتوبر سنة 1973، واستمر الجهاز يؤدى دوره فى صمت، ويكشف قضايا عرفنا منها القليل وغاب الكثير لدواع أمنية.
سري للغاية
القضية رقم 467 لسنة 2013 حصر أمن دولة عليا والتى حققها المستشار عماد شعراوى رئيس النيابة تحت إشراف المستشار تامر الفرجانى جديدة ومختلفة بتفاصيلها وأسرارها.. بالطبع كل قضايا التجسس تحمل ختم «سرى للغاية»، لكن المعلومات التى تحت أيدينا، والتى حصلت عليها «اليوم السابع» فى انفراد حصرى خطير بالصور والفيديو، وتنشرها على حلقات، تحمل صدمة للجميع.. أولها لجهاز المخابرات الإسرائيلى «الموساد» الذى لم يعرف حتى الآن بشكل واضح وصريح بسقوط شبكة تضم أبرز عناصره فى مصر، عملاء يحملون صفة «VIP»، وثانيًا للعديد من الجهات الداخلية والخارجية التى لم تكن تتوقع أن تتسرب معلومات كهذه لتل أبيب، وتترتب عليها قرارات سلبية على الإدارة المصرية، وضغوط خارجية تصل إلى حد إلغاء صفقات سلاح من دول أوروبية بتفاهمات أمريكية.
طبيعة عمل الموساد
عزيرى القارئ فى هذه الحلقة سنتعرف على طبيعة عمل الموساد، وبداية تكوين شبكة «بيريز» الإسرائيلية فى مصر.. كما هو معروف أن «معهد الاستخبارات والمهمات الخاصة»، وهو وكالة استخبارات إسرائيلية، تأسس فى 13 ديسمبر من عام 1949 بمهمات واضحة، هى جمع المعلومات بالدراسة الاستخباراتية، وتنفيذ العمليات السرية خارج حدود إسرائيل بتوجيهات من قادة الدولة، وفقا للمقتضيات الاستخباراتية والعملية المتغيرة، مع مراعاة الكتمان والسرية فى أداء عمله، وتورط الموساد فى عمليات كثيرة ضد الدول العربية والأجنبية، منها عمليات اغتيال لعناصر تعتبرها إسرائيل معادية لها، ولا يزال يقوم حتى الآن بعمليات التجسس حتى ضد الدول الصديقة التى تربطها مع إسرائيل علاقات دبلوماسية.. يتضمن الموساد 3 أقسام واضحة، هى قسم المعلومات: ويتولى جمع المعلومات واستقراءها وتحليلها ووضع الاستنتاجات بشأنها، وقسم العمليات: ويتولى وضع خطط العمليات الخاصة بأعمال التخريب والخطف والقتل ضمن إطار مخطط عام للدولة، وقسم الحرب النفسية: ويشرف على خطط العمليات الخاصة بالحرب النفسية وتنفيذها، مستعينًا فى ذلك بجهود القسمين السابقين عن طريق نشر الفكرة الصهيونية.
اوضاع مأساوية
قبل ثورة 25 يناير، وتحديدًا فى 2008، كانت الأوضاع فى مصر مأساوية على جميع الأوضاع.، اقتصاديًا وسياسيًا وبالطبع اجتماعيًا.. شباب ورجال لا يجدون فرص عمل محترمة فى ظل ارتفاع أسعار غير مسبوق، ومتطلبات أسرية ومعيشية لا يقدر عليها إما مقتدر أو سارق.. فى هذه الظروف الحالكة لم يجد أحمد عبد الله الشبينى الذى يعمل فى «النقاشة» وأعمال البناء بأجر يومى، ويبلغ من العمر 48 عامًا، ويعيش فى مسقط رأس الزعماء «المنوفية»- وسيلة للعيش والكفاح، خاصة أنه متزوج ولديه ولد وبنت.. قاده تفكيره إلى الهجرة لكن إلى أين وكيف؟!.. تلك هى الأسئلة.. أحمد بحكم جلسات العمل مع أصدقائه ورفقاء المهنة لم يجد سوى إيطاليا، وعن طريق الهجرة غير الشرعية.. لماذا؟.. لأن أوروبا هى حلم كل الفقراء وتأوى كثيرًا من الباحثين عن لقمة العيش من المصريين، ومنهم أشخاص يعرفهم ويعرفونه، أما عن سبب اللجوء إلى الهجرة غير الشرعية، فلأنه يعلم يقين العلم أنه سيرفض فى السفارة، ولن يحصل على تأشيرة الدخول «الشينجن» لظروف تعليمه ودخله، وعدم وجود ضمانات كافية، والأهم لغياب المال وثمن تذكرة الطيران.
قرار ان يعمل جاسوساً
جمع عبدالله متعلقاته ولملم أوراقه وسلم على أهل بيته وقريته.. حمل أغراضه وربما كوابيس الحياة القاتمة متجهًا إلى بلد الأحلام.. عاش وسكن مع أقرانه من أبناء مهنته من النقاشين وأصحاب أعمال البناء والتشطيب وأغلبهم مصريون.. انتظر أيامًا وشهورًا.. لم يلقَ العمل المناسب، ولم تسفر محاولاته عن أموال ترضى غروره ومخاطرته بحياته والغربة عن أسرته.. دخل الشيطان على الخط.. وسوس إليه.. أغواه ليكفر بوطنه ويخون أهله وعشيرته.. استرجع عبدالله النقاش ذكرياته، وكيف كان يرى ويسمع ويشاهد فى التليفزيون أن هناك وظيفة سريعة فى الخارج تدر عليه أموالاً رهيبة.. النقّاش شاهد مقدمة الحكاية ولم يرَ خواتيمها، مع أنه يعلم أن «الأعمال بالخواتيم».. قرر أن يعمل جاسوسًا، ويتشتغل لحساب دولة أخرى تدفع له مقابل أى شىء يستطيع فعله وتنفيذه.
دخول السفارة الاسرائيلية بحثاً عن عمل
حتى الآن الأمور تبدو غير مذهلة، حتى يقفز إلى ذهن أحمد النقاش مشهد الفنان نور الشريف فى فيلم «بئر الخيانة».. تدور أحداث الفيلم فى إطار عسكرى مخابراتى حول عامل فى ميناء الإسكندرية يعيش معتمدًا فى حياته على سرقة البضائع فى الميناء، ويحاول جاهدًا ترضية زوجته، لكن الأمور المالية تضيق عليه، فيقرر السفر وتحديدًا إلى إيطاليا.. تضيق عليه الدنيا هناك.. يفشل فى العمل بشكل طبيعى، فيقرر ذات يوم دخول السفارة الإسرائيلية باحثًا عن عمل، فيدخل لموظفة الاستقبال فيسألها: «إنتو تبع إيه؟!».. فتجيب: «إحنا تبع السفارة الإسرائيلية»، يتركها ويهرب ثم يعود إليها مرة ثانية مصممًا على أن يكون جاسوسًا لإسرائيل، وهنا تصطاده المخابرات الإسرائيلية، وتبدأ قصة «جابر» مع الجاسوسية.
عايز ابقى جاسوس
هذا نفسه مع حدث مع أحمد الشبينى.. النقّاش كفر ببلده، وقرر أن يكون جاسوسًا، لكن من أول مرة وبترتيب، وليس مصادفة.. ذهب إلى السفارة الإسرائيلية فى منطقة «فرنسا» فى إحدى العمارات بالدور الثامن.. انتظر قليلاً ثم دخل إلى موظفة الاستقبال.. سألته: «ماذا تريد؟!».. جاوب بحسم ولغة متعثلمة تبدو عليه أنه حديث المعرفة بها: «عايز أبقى جاسوس».. اندهشت الموظفة.. كررت السؤال فتمسك هو بالإجابة.. أخبرت مديرها بالأمر.. تشاور مع آخرين فى السفارة.. استدعوا المنسق الأمنى والملحق العسكرى.. كل ذلك و«الشبينى» ينتظر فى ردهة الاستقبال الخاصة بمكتب السفارة.. انتهوا بعد المشاورات إلى أن تخرج عليه الموظفة وتطلب منه أن يترك بياناته كاملة، وطرق الاتصال المختلفة به، سواء الهاتفية أو عناوين الإقامة والعمل، وأنهم سيبحثون طلبه.
تساؤلات الشبينى
انصرف «الشبينى».. يفكر طويلاً: هل خسر الجولة؟!.. هل سيتصلون به أم لا؟.. لماذا أخذوا وقتًا فى التشاور والتفكير؟.. هل سيعلم أحد من أجهزة الأمن فى مصر عن تلك الزيارة؟.. هل سيفضحه أصدقاؤه المصريون هنا فى إيطاليا لو علموا شيئًا، ويصبح مطاردًا لا يستطيع العودة لبلده وزيارة أهله؟.. تعددت المخاوف، لكن أحمد النقّاش قرر أن يترك الأمور على ما هى عليه عملاً بمقولة «زى ما تيجى تيجى.. هى كده كده خربانة».. انشغل «الشبينى» فى البحث عن فرص عمل مناسبة.. أعمال المقاولات لا تلقى بالًا فى إيطاليا إلا لو كانت عبر سوق منظمة.. لم يجد ما يراه كفيلًا بإرضاء غروره وسفره والتضحية بحياته عبر قوارب الموت.. يحلم كل يوم باتصال هاتفى من جهة إسرائيلية ما تطلب منه العمل كجاسوس، وقتها ستفتح له أبواب النعيم والخير، من وجهة نظره.
مكالمة
أيام قليلة مرت ربما تخطت الأسبوع وهاتف «الشبينى» النقال يرن.. شخص ما يتحدث بلهجة شامية: «ألو.. أحمد معى؟!».. يرد الشبينى: «أيوه.. مين معايا».. الشخص الآخر يجيب: «أنا داود من السفارة الإسرائيلية.. إنت عاوز تشتغل معانا؟!».. يتلهف الشبينى فى الرد: «أيوه.. ياريت».. يلحقه الشخص: «طيب.. احجز تذكرة لبلجيكا، وهتلاقى الفلوس فى ظرف فى مقر السفارة مكان ما رحت باسمك.. احجز ولما تنزل فى المطار هتلاقى حد بيكلمك يقولك تعمل إيه».. ختم «الشبينى» المكالمة بـ«حاضر».. فرح بهذه المكالمة لكنه فى الوقت نفسه ظل يفكر فيما قيل له.. كيف سيسافر؟.. وماذا سيقول لأصحابه النقاشين المصريين؟.. هل افتضح أمره وعرفت أجهزة الأمن المصرية زيارته للسفارة، ورغبته فى العمل جاسوسًا لإسرائيل، وبالطبع يكون ذلك كمينًا للقبض عليه؟!.. يباغت نفسه بالإجابة سريعًا: «ويقبضوا عليا ليه من أساسه، هو أنا عملت إيه أصلاً؟!.. مش يمكن كنت بهزر؟.. عادى بقى اللى يحصل يحصل؟»
كيف اهل نفسه للمهمة
بدأ «الشبينى» فى ترتيب أوضاعه وتأهيل نفسه للمهمة.. كتم على الخبر، وذهب فى اليوم التالى لمقر السفارة الإسرائيلية.. قابل نفس الموظفة المختصة بالاستقبال، وقبل أن يتحدث معها، قدمت له مظروفًا فيه تذكرة سفر لبلجيكا على عكس ما قيل له من أنه سيأخذ الأموال فقط ويحجز هو.. وهنا ملاحظة مهمة تكشف احتمالين، الأول: أن إسرائيل خافت أن يكون الموضوع مجرد كذبة للحصول على بعض اليوروهات فقط من شخص بائس لم يجد بديلًا عن تلك الفكرة المجنونة.. والثانى: أنها بدأت فى التعامل مع «الشبينى» على أنه مشروع جاسوس أو عميل مزدوج، وربما لضمان ألا يطمع فى الأموال، ولضمان أن يسافر فى يوم محدد على رحلة محددة وبجوار أشخاص محددين لمزيد من التأمين والحرص والسرية.. أخذ «الشبينى» المظروف وعاد إلى مسكنه.. غلق باب حجرته على نفسه.. أخذ ينظر إلى التذكرة ويبدأ فى ترتيب إجراءات السفر.. أخبر أصدقاءه أنه ذاهب إلى عمل مع رجل أعمال جديد تعرف عليه و«رايح يتفق لسه وهيغيب كام يوم».. حضّر شنط سفره ووضع فيها أغراضه، فوطة خاصة وماكينة حلاقة وشبشب، واستصلح خير ما فى ملابسه للمهمة الجديدة، واستلقى على سريره ينظر إلى السقف ويسأل نفسه: ماذا يخبئ لى القدر؟!
عن اليوم السابع المصريه