22-02-2014 09:42 AM
بقلم : فيصل تايه
كان يوماً مباركاً لأبنائنا الطلبة الأعزاء.. نقشوه بالجدِّ والاجتهاد.. وزيّنوه بالفرح والسعادة .. فكان عرساً لهم ولعائلاتهم .. فلنبارك لهم من القلب نجاحهم في امتحان الدورة الشتوية لشهادة الدراسة الثانوية العامة.. بعد حصاد زرع طويل وشاق .. في أول خطواتهم نحو مستقبلهم المشرق .. هذا الامتحان الذي أصرت وزارة التربية والتعليم أن تجعل منه امتحاناً وطنياً سيادياً ... تكافح من اجل رُقِيِّه وتطويرِه .. ليكونَ ليسَ نهايةَ مرحلةٍ .. أو بوابة للمجهول.. بل ضماناً للمستقبل .
فبعد مخاض مرهق انفض المولد الذي يتكرر مشهده في كل دورة امتحانيه .. في وقت استنفرت فيه وزارة التربية والتعليم كل إمكاناتها في إدارة الامتحانات والاختبارات لتتخذ القرارات الصائبة في الطريق الصحيح نحو خطوات جادة سعت من خلالها إلى إتاحة الوقت الكافي للمراجعة والتدقيق في النتائج حتى خرجت بالصورة الميسرة والمؤملة دونما إرباك .. بالرغم من الظروف المريرة التي حملت تحديات جسيمة وما رافقها من ظروف قاهرة وصعبة حاولت في مجملها الإساءة للامتحان والقائمين علية .. إلا أن ذلك كله زال أمام إصرار وعزيمة الشرفاء من أبناء تكويننا التربوي العتيد .. وفي هذا دعوني أسجل شكري وتقديري للمساعي الحثيثة والمباركة لطواقم المراقبة والمتابعة والتصحيح والفرز والرصد والاستخراج وكل من ساهم في إنجاح هذا العمل الوطني .. وعلى رأسهم معالي وزير التربية والتعليم والأمين العام وعميد إدارة الامتحانات والاختبارات .
إننا ورغم انخفاض المعدلات عن الدورة الماضية مرتاحون من نتائج هذه الدورة وبما تحقق من انجازات لطلبتنا الأعزاء في مختلف الفروع.. فنسب النجاح كانت بدرجة مقبولة .. فما تشير إليه النتائج أن نسبه الذين حصلوا على معدلات مرتفعة.. هي نسبة معقولة .. مع سلامة الإجراءات التي اتخذتها الوزارة وهذا يشير إلى أن النجاح والتفوق بات من حظ المجتهدين من الطلبة على اختلاف مستوياتهم العلمية .. لإحساسهم بالمسؤولية وعزمهم وتصميمهم على بلوغ أهدافهم تحقيقا لطموحهم بكل همة ومسؤولية .. مع ايقانهم الراسخ أن شهادة الدراسة الثانوية العامة هي المفصل في حياتهم .. ونتيجتها الدراسية غالباً ما تحدد مصيرهم .. حيث تأتي في مرحلة حساسة وحرجة من حياتهم التكوينية .. وغالباً ما يكون المتفوق من استطاع التحكم بذاته وظروفه وابتعد عن المغريات والملهيات واختار أقرانه بعناية فائقة ..
ان نتيجة امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة لا تعكس مستوى أداء الطالب وقدراته فقط، بل هي مرآة لقدرات وزارة التربية والتعليم والمدارس والمعلمين وتقييم لقرارات المسؤولين عن العملية التعليمية ابتداء من أعلى سلطة تربوية وانتهاء بالمعلم في صفه .. فالحديث عن تقييم جودة التعليم هو حديث عن اقتصاد المستقبل، وهذا ما يجعل مسألة التعليم اليوم مصيرية.. ولذلك فنحن اليوم بحاجة إلى استخدام نتائج الامتحان وتحليله لتقييم مدارسنا، لتقييم مناهجنا، لتقييم أدائنا كمعلمين وتربويين، كما أننا بحاجة أن يكون هذا التقييم بداية لإعادة صياغة أهداف التعليم بصورة حضارية حديثة ومتطورة .
علينا الالتفات إلى منظومة الثانوية العامة الامتحانية بصورتها الحالية ومراجعتها والتحدث عن تعظيم الانجازات والثناء على الجهود الطيبة المباركة التي اعطتها الهيبة والمصداقية والعدل والمساواة وفي نفس الوقت تشخيص جوانب الخلل .. ونقاط الضعف .. بحيث يمكن التعاطي معها بجدية ومسؤولية..خاصة عند التريث في مراجعة عناصرها واليات عملها .. والعقبات التي ما زالت تعترضها .. كما ونريد أن نقف وقفة جادة أمام التحديات المتكررة .. فهي عائدة لا محالة في الدورات المقبلة .. وبنفس الوتيرة .. كما ونريد أن نتحدث ونكشف عن كثير من الإشكالات التي أربكت عملنا كمراقبين ورؤساء قاعات ومشرفين وإداريين وكل من له علاقة في انجاح العمل .. نريد ان نتحدث عن "استموات " الكثيرين من اجل زج وزارة التربية والتعليم في احراج متعمد وبيان المصالح الضيقة التي تقف وراء ذلك ؟ نريد الحديث عن الاتجاهات السلبية عند بعض من طلبتنا والتي توجههم نحو البحث عن الممارسات والأساليب الشيطانية الخبيثة للغش في الامتحان وافتعالهم المتعمد للازمات .. نريد الكشف عن الأيدي الملوثة التي تحاول المساس بمنظومة تربوية عتيدة عمرها من عمر الأردن .. نريد تعرية تجار وسماسرة الدكاكين المشبوهة التي تربك طلبتنا وتجرهم نحو الاتجاهات والممارسات المشبوه وتفتح عيونهم للانزلاق في متاهات البحث على السبل الاحترافية للغش عبر تحدي وزارة التربية والتعليم المتعمد في استخدام التقنيات الحديثة والمتطورة المتعلقة بهذه المسالة .؟ نريد الكشف عن جوانب الخلل في آليات العمل المتبعة كل عام ..
في نفس الوقت وعند قراءة نتائج الثانوية العامة قراءة متأنية يجب ان نتحدث عن أسباب تدني نسب تحصيل الكثير من طلبتنا في بعض المواد .. وأسباب إخفاق طلاب بعض المدارس بشكل جماعي ؟
وما هي الأسباب الحقيقية وراء تلك الإخفاقات هل هناك خلل واضح في بعض من مدارسنا ؟ أنا أعتقد أن المدرسة الراكدة والتي نسبة النجاح فيها لم تتجاوز ال صفر % في الثانوية العامة لا بد من إعادة النظر في وضعها ومراجعة حساباتنا معها ومع كوادرها الإدارية والتدريسية ..
فلا داعي للمغالطة والصمت المقيت وترحيل المشكلات للمستقبل المثقل بأعباء تربوية أخرى .. ولا داعي لوضع مبررات وإلقائها على كاهل الضحايا ذاتهم الذين وجدوا أنفسهم في كشوفات الفشل .. فإذا أردنا أن نلقي باللائمة على الطالب .. فمن الذي أوصله إلى هذه المرحلة ما دام ليس أهلا لها .. بالرغم أننا ما زلنا نتبنى سياسة تلقائية النجاح التي هي صيرورة حتمية متوسدة في نظامنا التربوي الذي ندعي عصرنته .. أنا اجزم أننا بحاجة إلى قواعد بنائية تنهض بالعملية التعليمية برمتها إلى ركب الحداثة والتطور .
من هنا لا بد من دعوة صريحة.. ندعو من خلالها إلى عمل تقييم عاجل وشامل للعملية التعليمية ومراجعة عامة للمرحلة الثانوية مع الأخذ بتوفير كوادر تعليمية مدربة قادرة على التفاعل مع جميع أركان مجتمع الثانوية العامة وتحفيزها ومكافأتها.. وكذلك تحديد المناهج الدراسية المفاهيمية وبيداغوجيا التعليم وأدوات التقييم التقليدية المختلفة وتقصي المناهج الخفية المكتوبة ( مناهج الظل ) التي تعتمدها المراكز الثقافية كبدائل قوية للمناهج الرسمية..
وأخيراً دعوني أبارك مرة أخرى لطلبتنا الأعزاء الذين فرحوا بالنجاح وأدعو للذين لم يحالفهم الحظ مراجعة حساباتهم مع أنفسهم وتخطي هذه المرحلة بمزيد من العزم والإصرار .
وليعذرني كل المتابعين فما أردت سوى الوقوف على أعتاب بعض ما نعانيه جميعا فكل الحب إلى كل يد مخلصة تأبى إلا العطاء إرضاءً لله عز وجل ... وخدمة لتراب هذا البلد الأشم وأهلة المخلصين الطيبين
وأعاننا الله جميعا على تحمل المسؤولية ..