24-02-2014 09:51 AM
بقلم : د. زيد محمد النوايسة
في القضايا المصيرية التي تتعلق بالوطن وقدسية هويته، لن نتوقف عند من "يثني" على من، ولا من "يقبل" يد من!!، فهذا الأمر يظل في حدود الخلق والسماحة الأردنية التي تسكن أهلنا وسلوكهم النبيل، وهو أمر مقدر ومثمن، ولكنه لا يغير شيئاً من ثوابتنا حول الدولة واستقرار هويتها!! ويبقى السؤال لماذا يتطاول بعض الحالمين الطامحين والطامعين أو الباحثين عن دور أو المتناغمين مع مشروع سياسي من خارج الحدود على العشائر؟!! وعندما يشعرون بالمأزق يبحثون عن رافعة عشائرية تخرجهم من ورطتهم ومن خلال زعامات تلك العشائر، والتي أصبحت اليوم للأسف موضع اتهام "بائس" و"مريب" و"مؤسف" بل وصلت حد التصريح بأنها تعيق مدنية الدولة وتطورها؟!!، فأصبح الهجوم وأهدافه ومراميه مكشوف وممجوج ومثير للقلق، وكأن قدر هذا الوطن المبتلى وأهله بالجحود والنكران الأبدي أن يتحمل مسؤولية ما يجري في المنطقة، وعليه أن يدفع الثمن وبأثر رجعي!!.
ولا بأس من التذكير بأن القضايا المصيرية لا يحددها –مع كل الاحترام- أي شخص بمعزل عن الحيثية التي يمثلها، والموقع الوظيفي الذي اعتلاه سابقاً أو لاحقاً، والحصانة مهما علت دستوريا تلغى أمام حصانة الوطن ومشروعيته المكتوبة بالدم والدمع والصبر!! ولا بد من الإشارة هنا أنني لست بصدد محاكمة ما طرح مؤخرا، أو الدخول في السجال الدائر الآن في ضوء الهجوم على المكون الأساسي من مكونات المجتمع الأردني وهو العشائر الأردنية، فذلك عابر ولا تأثير له، ويمكننا فهمه في سياق تطور الهجوم التاريخي على الهوية الوطنية، وتوالي "المبادرات" المحلية منها والخارجية المرتبطة بالحل النهائي للقضية الفلسطينية، بدئاً من مبادرة روجرز 1967 إلى إطار كيري 2014، ومتأكدين انه بالمحصلة سيؤول إلى (صفر) نتائج، ويبقى هذا الوطن وهويته وأهله، السنديانة العالية التي لا تهزها الزوابع العابرة، لأنهم ملح الأرض والمشروعية التي لا يمكن أن تكون موضع اجتهاد أو تكرما من احد، فلقد مروا ذات زمان وبقية هذه الأرض!!.
فكلما لاح في الأفق مشروع تسوية أو تصفية لفلسطين وقضيتها وحقوق أهلها ، وخاصة في ليل الخيبة والهوان العربي الذي طال واستوطن فينا حتى بلغ اليأس مبلغه في انتظار فجر عربي أخر يخرجنا من حالنا البائس، يضع الأردنيون أياديهم على قلوبهم، ليس خوفا على الأردن فقط، بل على فلسطين التي تعمقت في الوجدان الأردني حتى "تأنسنت" في دواخلهم، وكان الموقف منها معيار الاتفاق أو الاختلاف في كل تاريخهم السياسي!!، فلا يتسلل أو يتسرب بعض الغائبين عن الوعي السياسي والتاريخي، والحالمين بدور وموقع من هذه الزاوية مطلقا!!ً.
نتفق ونختلف على كثير من الممارسات الاجتماعية التي يمارسها أفراد ومجموعات ينتمون إلى النسيج الاجتماعي الأردني، ومنه بطبيعة الحال العشائر والعائلات الأردنية الكريمة، نشيد بالايجابي وندعو للبناء عليه، وننتقد السلبي وندعو لفرزه وتجاوزه، ولكننا لسنا سذج وبلهاء حتى لا نفهم أن الهجوم جاء في سياق مشروع كبير وخطير وابعد من النقد والتأشير على ممارسة اجتماعية خاطئة نرفضها من أي تشكيل اجتماعي صدرت وقد تتكرر في كل مجتمع سواء كان عشائريا أو عرقياً أو طائفياً.
أن ينسف تاريخ الأردنيين بتلك الصورة "المريبة" ويصنفوا بأنهم مجرد "ميلشيات" تشكل عبئاً على الدولة الأردنية، وعائقاً أمام تحديث الدولة وعصرنتها!! فهذا تجديف كبير، وسباحة ضد التيار، ومغامرة غير محسوبة، ليس ثمة وصف يستحق ويليق بها أكثر من المثل القائل "رب كلمة تقول لصاحبها دعني"، فالعشائر في الأردن ليست مجرد مجاميع بشرية، تم استيرادها في مراكب عبر البحر واستوطنت هذه الأرض ، بل هي قاعدة الارتكاز التي قامت عليها الدولة الأردنية الحديثة، وهي نتاج تحالف وعقد اجتماعي وسياسي متين وراسخ بين الأردنيين والهاشميين، وتاريخها في المقاومة والرفض والسعي لتأسيس دولة وبناء وطن لا يحتاج للتذكير لمن خانتهم ذاكراتهم القصيرة، والمخدوشة والمسكونة بالبحث عن دور بأي ثمن وبأي صيغة!! ولو على حساب الجامع الوطني المقدس.
ولا اعرف لماذا زج بمفهوم الدولة المدنية في هذا الوقت بالذات ولاسيما أن المنطقة تعيش أجواء سياسية هي الأخطر في تاريخها الحديث!!، ويمكن أن نفهم ونناقش أن التطور السياسي والحالة الديمقراطية في الأردن ليست في أحسن حالاتها!! ، ولم تصل بعد إلى طموح الناس، ولكنها ليست بتلك السوداوية التي يشير إليها البعض، وأخال الديمقراطية بمفهومها الحقيقي أخر مبتغاهم!! بل هي مجرد حصان طروادة ليس أكثر لتمرير المخفي وما هو أعظم!!، وقد يكون ثمة أسباب موضوعية مقبولة تحول دون تطبيق نماذج ديمقراطية معينة يرفضها الناس قبل العقل المركزي للدولة، نعم نحن كأي شعب يسعى للوصول إلى أفضل صيغة ديمقراطية ولكن صيغة لا تخدم مشاريع منفصلة عن الناس وطموحاتهم في حياة كريمة، فأي ديمقراطية تساهم أو تؤثر في الحل النهائي للقضية، اشك أن تكون مقبولة وان يكون لها فرصة للنجاح بل يجب رفضها من الأردنيين بكل مكوناتهم، لأننا لسنا معنيين بأي حلول يمكن أن تكون استجابة لضغوط دولية وخدمة للمحتل لخروجه من المأزق بالمحصلة!!.
ولعله من المناسب أن نذكر ونشير إلى التعريف البسيط لمفهوم مدنية الدولة: وهي الدولة التي تحمي كل مواطنيها وتحافظ على حقوقهم، بمعزل عن الانتماء القومي والديني والطائفي والعرقي والفكري، ويسود فيها مفهوم السلام الاجتماعي والتسامح بين أفراد المجتمع الذي تتشكل منه، وهذا جامع رئيسي من عناصر الاتفاق، ولا اعتقد أن أنسانا عاقلاً وينتمي لبلده يمكن أن يرفضه أو يقف حائلاً دون تحقيقه، ويمكن لأحد أن ينكر وجوده في الأردن، بل أن الأردن أصبح بيت خبرة في التسامح والإيثار والاندماج الاجتماعي على صعيد المنطقة!!.
يمكن القبول بتكريس مفهوم الدولة المدنية، بشرط أساسي ومركزي أن يكون الثابت فيها هو هوية الدولة المقدسة التي تعلو على أي هوية أخرى، مع وجوب أن يكون إعلاء الهوية وإضفاء القداسة عليها هو المدخل الطبيعي لإعلاء مفهوم المواطنة، ذلك أن الهوية الوطنية ليست فكرة عابره في مخيلة كاتب أو شاعر، أو مجرد نزوة اعتزاز ونشوة بالجذور فيها من الخيال أكثر من الواقع، بل هي أكثر مما يتصور البعض الذين يطرحون الكلمات التي تبدو في ظاهرها بريئة ونقية، ولكنها تحمل في الخلفيات كل بذور التفتيت والتقسيم وربما ما هو اخطر بكثير مما وراء الأكمة؟!!، ولكننا مع ذلك مطالبون بان نحسن النوايا، وان نذكرهم بان الدولة في الأساس ما كانت جائزة ترضية من احد، بل نتاج طبيعي لتضحيات الناس والدماء التي سالت على هذا الثرى وعلى مر الزمن،!! فتريثوا، ولا تبيعوا الوهم لأنفسكم أولا، أما هذا الوطن الأردني فللبيت رب يحميه أن شاء، وستصبح المبادرات ومنظريها نسيا منسيا مهما على صوتهم!!.