27-02-2014 10:12 AM
سرايا - سرايا - لم يكن تدشينا اعتيادياً لكتاب هو ما شهدته جمعية الثقافة والفنون بالدمام مساء الاثنين، في ليلة حفل توقيع كتاب ملحمة (جلجامش) بترجمة عربية سعودية للرئيس السابق لشركة أرامكو والمترجم عبدالله صالح جمعة في ليلة شهدت أيضاً، اختفاءً نقدياً وعرضا مسرحياً مونودرامياً ومعرضاً بصرياً موازياً من عالم الملحمة السومرية القديمة.
جمعة الذي بدأ كلمته شاكراً جمعية الثقافة والفنون بالدمام لاستضافة رجالات الفكر؛ علق على تساؤل راود الكثيرين حول لجوء رئيس أكبر شركات العالم النفطية إلى حقل الأدب وترجمة أقدم نص أدبي؛ وما الدافع وراء اختياره نص جلجامش؟ مشيراً إلى أن فكرة ترجمة ملحمة جلجامش بدأت في مراحل مبكرة في حياته المهنية، وتحديدا بعد عودته من الجامعة الجامعة الأمريكية في بيروت، حيث كانت تفرض مواد أدبية رديفة، ساهمت في تنمية ذوقه الأدبي، ثم عاد إلى البلاد، ليعمل مترجماً في ادارة الترجمة بأرامكو.
وقال جمعة: لم يكن اهتمامي بالملحمة لأني أريد أن أقدمها كعمل أدبي متداول بين الناس، بل كنت أريد ترجمتها لنفسي، مقدماً مقارنة بين ترجمة نانسي ساندرز باللغة الانجليزية وترجمة السوري فراس السواح من الأصل الذي كتبت به ملحمة جلجامش أي باللغة الأكادية، مشيراً إلى أن المعاني الكبيرة للملحمة بقيت في خاطره، لكنه عندما قرأ ترجمة ساندرز حيث المعنى الكبير لكن المبنى ليس ضخماً بضخامة المعنى، بدأ ترجمة الملحمة، مضيفاً: " وانتهيت من نصفها وتركتها لعقدين من الزمن ثم في العام 1997 انهيتها وأعدت كتابتها ربما عشر مرات" موضحا أن الطبعة الأولى كانت محصورة بين الأصدقاء لنصل اليوم إلى طبعة للجميع يعود الجمال فيها إلى التصميم الذي قام به المصمم اللبناني كميل حوا والمحترف السعودي، حيث اخترع المصمم مأمون خطاً عربياً شبيهاً بالخط المسماري.
الموازي النقدي لكلمة جمعة في الأمسية، كانت في مشاركات النقاد بأوراق توزعت بين تحليل المسلك اللساني في تجربة ترجمة عبدالله جمعة للملحمة كما عند الناقد الدكتور سعد البازعي أو تلك التي تحاشت ملامسة تجربة ترجمة جمعة واكتفت بالحديث عن جلجامش بطريقة نثرية كما في ورقة الناقد الدكتور سعد السريحي الذي تحدث عن الأسطورة في الثقافة الإنسانية.
وفي الورقة التقريرية التي قدمها الناقد والمترجم البحريني محمد الخزاعي الذي جاءت مداخلته عن رحلة جلجامش في التاريخ وأهم الترجمات دون العروج على تجربة جمعة من داخل النص، ليختم ورقته بحكم قيمة واصفاً ترجمة جمعة، بأنها " أجمل وأمتع ترجمات ملحمة جلجامش إلى اللغة العربية وهذه حقيقة لا مبالغة فيها" على حد تعبير الخزاعي. بينما توقف البازعي محللاً ومحيلاً بلاغة لغة جمعة في أجزاء من الترجمة إلى ما اعتمد عليه من بلاغة القرآن الكريم، قائلاً: إعلان عبدالله جمعة بأن سعيه مختلف عمن سبق " الأمر الذي يتضح من قراءة النص في عربية تستمد خصوصيتها من بلاغة القرآن الكريم تارة ومن توسل روح الشعر العربي تارة أخرى ومن جزالة اللغة الأدبية الموروثة تارة ثالثة لتصبح الترجمة أو (القراءة الخاصة) مشروعاً يبتعد عن الترجمة بمفهومها السائد ليقترب مما يمكن أن ندعوه تعريبا لملحمة جلجامش وهو تعريب بالمعنى الأوسع والأعمق أي اضفاء روح الثقافة العربية على ذلك العمل الموغل في العراقة السامية القديمة".
وأضاف البازعي: "ليصبح النص المعرب، مكيفاً، يعتمد نقل روح النص لا دلالاته الدقيقة والتعريب هنا يكون عبر الخروج الواضح وشبه المعلن عن النص الذي ترجم منه أي النص الانجليزي لساندرز، وهو خروج يبدأ من البداية عن ترجمات باقر وساندرز لكن الخروح الأهم يكون في استلهام البلاغة القرآنية التي يتسم بها الكثير من خطابات سطور النص، كقوله: "يمم وجهك صوب ذلك الهيكل أو ما ظهر منها وما بطن أو قوله إني لك ناصحٌ أمين.
ويرى البازعي أن هذه اللغة التي توجد نصاً في النص، توجد نصاً ملتبساً من الناحية الثقافية والبلاغية وتطرح أسئلة حول توسل اللغة ذاتها للوصول إلى الحالة الشعرية، فالمؤكد أن لغة النص، تسمو بلاغياً بجلال النص القرآني الذي نفى عن لغته الشعر، إذ ينبه البازعي إلى أنه من المبالغة القول إن اللغة القرآنية حاضرة في كامل النص أو طاغية عليه "فالترجمة هنا تسعى لشعريتها أيضا عبر لغة جزلة ومتماسكة وموقعة بالوزن حيناً وبالجناس حيناً، كقوله: سيدة الحب والدعة والحروب والمعمعة".
يذكر أن ملحمة جلجامش ترجمت إلى العربية عدت مرات، وكان من أشهر الترجمات، الترجمة الرائدة للعالم العراقي طه باقر ثم ترجمة المفكر السوري فراس السواح وجلجامش هي ملحمة سومرية مكتوبة بخط مسماري على 12 لوحا طينيا اكتشفت لأول مرة عام 1853 م في موقع أثري اكتشف بالصدفة وعرف فيما بعد أنه كان المكتبة الشخصية للملك الآشوري آشوربانيبال في نينوى في العراق ويحتفظ بالألواح الطينية التي كتبت عليها الملحمة في المتحف البريطاني. الألواح مكتوبة باللغة الأكادية ويحمل في نهايته توقيعا لشخص اسمه شين ئيقي ئونيني الذي يتصور البعض أنه كاتب الملحمة التي يعتبرها البعض أقدم قصة كتبها الإنسان.