01-03-2014 11:27 PM
سرايا - سرايا - مكفوفون يثبتون للجميع أن بداخلهم منجما من الابداع، يؤمنون بقدراتهم ومكامن القوة بداخلهم، يعلمون الآخرين دروسا بأن باستطاعة الانسان تحقيق ما يصبو اليه إن تحدى ظروفه مهما كانت قاهرة..
وطارق خميس (الصف الرابع) هو واحد من هؤلاء المكفوفين الذي يمسك علبة الألوان ليبدأ بالاعتماد على حاسة الشم القوية لديه لاختيار اللون الذي يريده، وبعد أن يشتم الألوان يصل لمراده في انتقاء اللون البرتقالي لرسم حبات البرتقال على الشجرة المجاورة لمنزل كبير تحت سماء صافية وشمس مشرقة في لوحته.
وعبر ساعتين من الزمن كان طارق وأقرانه من طلبة أكاديمية المكفوفين، يطلقون العنان لابداعاتهم، يرسمون مجموعة من اللوحات التي تعبر عما يجول في داخلهم من مشاعر وتصورات، بعد تعريف وتوجيه من الفنان سهيل بقاعين وتوزيعه الاحتياجات اللازمة للرسم.
ورشة الرسم التي أقيمت في أكاديمية المكفوفين برعاية مديرها قاسم عنيزات، التي أشرف عليها الفنان التشكيلي سهيل بقاعين بهدف اكتشاف المواهب الفنية في الرسم لدى الطلاب المكفوفين وضعاف البصر.
“الرؤية هي البرهان” عنوان هذه الورشة التي افتتحها أحمد أبو عيده المدير الإقليمي لبنك ستاندرد تشارترد، تقديرا لجهود القائمين عليها واكتشاف مواهب المكفوفين الدفينة.
“أنتظر ورشة الرسم كل خميس بفارغ الصبر” هذا ما عبر عنه الطالب أدهم عبدالله (الصف العاشر) وقال، “تعلمت رسم كثير من المفردات وأود أن أستمر في تعلم الرسم، فأنا أرسم كما أتخيل ويساعدني أستاذي سهيل في التعبير ونقل هذه التصور”.
ببينما اتخذ الطالب مهند الحنبلي من الصف الخامس الصلصال وسيلته في تشكيل مجسمات بسيطة أحدها (دب صغير، وعيدان شواء عليها الكباب والدجاج وقطع اللحم)، وذهب زميله بجواره الطالب مؤمن أبو سنينة بتعبئة الفراغات بوسيلة الرسم التي أعطيت له بألوان جميلة ليخرج لنا طائر يحلق بأجنحته”.
ملامح الجمال والإبداع بدت واضحة على الطالب أسد محمد (الصف السابع) الذي رسم جسرا تسير من فوقه السيارات، ولعل هذا الاختيار يبين شغفه ومحبته للسيارات بكافة أنواعه”.
محمد قوقزة (الصف الخامس) يجيد الرسم على اللوحة وعلى جاهز الحاسوب، ويقول، “تعلمت استخدام الألوان في الرسم، وأسعد كثيرا بتوجيهات معلمينا سهيل وسلام”.
ووقع اختيار مايا جدعان في الصف الخامس على رسم قوس قزح بوسط الطبيعة التي رسمتها بألوان زاهية، وشاركتها الطالبة لانا عبدالله في الصف الثالث برسم الطبيعة التي لم تجرب قط الرسم فيما قبل إلا عندما جاء الفنان سهيل وقام بتدريبهم على كيفية استخدام الأدوات والتعبير عما يجول بخاطرهم.
بدأت تجربة الفنان سهيل بقاعين في الأكاديمية قبل عامين بالتعاون مع مديرها والمعلمة سلام طوالبة، في إبراز مواهب المكفوفين وتنمية قدراتهم بالرسم، والسعي لنقل ودمج هذه الفئة إلى شريحة كبيرة من المجتمع، والأهم من ذلك هو الدعم المعنوي لهم مما يسهم في تنمية قدراتهم وتطويرها بشكل أفضل.
يسعى بقاعين في عمله لتقديم لوحات المكفوفين من خلال لغتهم ووسائل تفاعلهم مع محيطهم، فيذهب الفنان إلى مناطق التجريب النائية في توليد الأفكار من خلال الرسم وطريقة التلقي، إذ تشكل ذاكرة الأصابع في هذه التجربة قاسما مشتركا بين إنجاز العمل الفني وقراءته، فالفنان ينجز عمله من خلال الأصابع، فيما يقرأ المكفوف العمل عبر اللمس بالأصابع من خلال لغة “بريل” الخاصة بالمكفوفين، وهو ما يعد تفعيلا للمخيلة واختبار طاقاتها الدفينة.
ويعبر بقاعين عن تجربته هذه بالقول، “هناك العديد من المكفوفين لديهم إبداعات وقدرات فكرية، يمكن أن نستفيد منها إذا أحسنا استثمارها”.
قاسم عنيزات مدير الأكاديمية يقول، “نعتز بمشروعنا هذا ونقدر جهود الفنان سهيل بقاعين الذي جاء بفكرته قبل عامين بمبادرة شخصية منه وتجهيز جميع الاحتياجات اللازمة للرسم”.
الكفيف لا يختلف عن أي إنسان مبصر وفق عنيزات، ونحن كمبصرين نبصر طريق طلابنا، فلديهم قدرات فنية، نسعى لاكتشافها وتنميتها، كما أن هناك طلاب لديهم بقايا بصرية يمكنهم التعبير عما يدور بخاطرهم”.
ويضيف، “يجب التعامل مع المكفوفين بدمجهم مع المجتمع بشكل كامل فهم حقوق وواجبات، ويجب أن نخرج من إطار الشفقة، فهذه النشاطات تدفعه لحب دراسته ويعلم انه عنصر فعال ومطلوب، فيمارس النشاطات بحياته الطبيعية كاملة”.
ويؤكد عنيزات الجاهزية الدائمة لدعم وتسهيل اي عمل يهدف الى مساعدة طلاب الاكاديمية من ذوي الاعاقة البصرية لاكتشاف وتنمية مواهبهم ودمجهم في المجتمع بالشكل المناسب.
سلام طوالبة معلمة الموسيقى في الأكاديمية تقول، “باشرنا مشروعنا هذا قبل عامين مع الطلبة، بهدف دمج الموسيقى والرسم معا، وتعاونت مع الفنان سهيل في إيصال فكرة التعبير عن الشيء مثله مثل الموسيقى كيفما يسمع ويشعر يستطيع العزف، وأقمنا العديد من الحفلات والمعارض لإبراز مواهب الطلبة وتحفيزهم على مواصلة التعلم، ففي كل ورشة يتعلم الطلبة شيء جديد ويكتشفون بأنفسهم طاقاتهم مخزونة”.
ويشير أبو عيده في هذه الورشة إلى أن مبادرة “الرؤية هي برهان” Seeing is Believing بدأت كمبادرة طوعية من موظفي مجموعة بنك ستاندرد تشارترد، ولقد نجح موظفينا البالغ عددهم اليوم 88000 موظف موزعين على فروع البنك في 70 دولة من دول العالم بجمع ما يزيد على 63 مليون دولار استطاع البنك من خلالها معالجة اكثر من 45 مليون شخص منذ العام 2003.
ويضيف، “سيواصل موظفونا عملهم الدؤوب لجمع التبرعات والتطوع لخدمة المجتمعات المحلية وذلك لتحقيق وعد البنك بأن نكون “هنا دائماً للافضل”.