02-03-2014 02:50 PM
سرايا -
سرايا - بإمكاني القول أن "هرة سكيريدا" عنوان رواية الكاتب رشيد الضعيف الأخيرة، ليست إسماً على مسمى، إذا ما اعتبرنا أن عنوان الرواية يجب أن يحمل اسم البطل الأساسي فيها أو يدلل على الفكرة المحورية للقصة وملهمتها.
فالهرة هنا تطل طلة عابرة كضيف شرف أو ممثل في دور ثانوي جداً. أما سكيريدا الخادمة الأثيوبية فهي أم رضوان الولد الذي لم يعرف له أبٌ، إذ أنَ أمه الواقعة تحت سلطة الشهوة الجنسية التي لا تُشبع، تنام مع كل الرجال، من دون حساب رضوان ابن الصدفة، لا يعرف له والد، أحصى زملاؤه عدد الرجال الذين نامت معهم أمه، سكيريدا، فكانوا عشرين رجلاً، ولولا أن ماما أديبة، السيدة التي تعمل سكيريدا لديها، لم تقم بتزويجها ابراهيم لساعات قليلة كي يعطي اسمه للطفل، لبقي لقيطا".
ولكننا، بالرجوع الى العنوان قبل الدخول إلى متن القصة، لا نبالغ إذا نظرنا إليه برمزيته حيث نقع على تفسيرين ممكنين ، واحد وان الضعيف قد اختاره للتشابه بين الهرة وسكيريدا في موضوع "الشبق الجنسي"، والثاني لأنهما انثتان، وقصتة هي حول النساء بالدرجة الأولى إن لم نقل نسوية خالصة، وهي أيضا حول الدين المعتدل في زمن طغى عليه التطرف والتعصب إلى اقصى الحدود.
هذا الدين الرحيم الذي يتحدث عنه الروائي يتجسد بسلوك النساء يساندهم به رجل واحد الشيخ قاسم، الذي يشرعن أمام الله ما وجدته ماما أديبة حلا إنسانيا كما حصل حين حبلت سكيريدا بابنها من رجل ضاع بين عشرين رجل نامت معهم.
" أنا لا اخاف النار في محبة الله، فلن أخاف من كلام الناس إنني رعيت وحميت زانية"، كما قالت له ماما أديبة وهي تقنعه بضرورة حماية سكيريدا وجنينها عبر الطريق الحلال، حين طلبت منه عقد قران سكريدا، مؤقتا، على ابراهيم حتى لا يعتبر المولود ابن زنا"
صحيح أن الأحداث تدور في زمن الحرب الأهلية اللبنانية زمن والقتل والخطف والفوضى والعبث، إلا أنها قد تكون القصة نفسها في إطار آخر وزمن آخر غير زمن الحروب، فالحرب فيها ليست الحدث أو المحور، إنما كيف تتدبر النساء أمورهن وأمور أولادهن وكيف تجد حلولاً لمشاكل ليست عادية، في غياب الرجل، ميتاً كان هذا الرجل أو محارباً، او مهاجراً، او عاطلاً عن العمل، وفي ظل ظروف قاسية لا رحمة تنزل فيها الا من حكمتهن وعاطفة الامومة الخالصة- جميعهن أمهات- التي لا يساومن عليها مهما حدث، ومهما كبر الوجع من جراء غياب الازواج وطول الهجران وقسوة الايام.
أذا، يدخلنا الضعيف في روايته هذه إلى عالم النساء..
ماما أديبة، سكيريدا، أمل المراهقة المشلولة، أمّها التي تملك صيدليّة، ألفت الفتاة الأخرى التي يحبّها رضوان ابن الخمسة عشر عامًا، أم حسان والدة صديق رضوان التي تساعد ماما أديبة ووالدة الفتاة المشلولة في إعداد الطعام... والهرّة التي لا تجد من يعطف عليها سوى سكيريدا أو ممكن ان تكون المخلوق الوحيد الذي استكان وشعر بعاطفة سكيريدا المكبوتة والمرفوضة حتى من ابنها رضوان الذي ثار عليها وعنفها لإنجرافها في تحقيق ملذاتها مع الرجال والذي نتج هو نفسه عنه بالخطأ، ودفع ثمنه باهظاً إذا تعرض فيما تعرض له من إهانة نتيجة ذلك أن ضربه أحد الآباء لأنه غازل ابنته، ضرباً مبرحاً، وهو يكيل له الشتائم.
هنا تتدخل ماما أديبة مرة ثانية وليست أخيرة لتقوّم الإساءة الناتجة عن الظلم في حق صبي بريئ إذ تذهب إلى الرجل المعتدي على رضوان معاتبة" هل يستحق هذا الصبي كل هذا العقاب؟ واكتفت أديبة بصمت الرجل وعادت الى بيتها".
ويكرر التاريخ نفسه عندما يترك رضوان جنيناً في رحم أمه كما تركه هو نفسه رجلاً ما في رحم أمه سكيريدا، ويختفي كذلك لكن قصراً وليس عمداً.
من جديد تتولى النساء تدبر الأمر فلا تقوم أم أمل برد فعل غاضب و قاس ٍ على حمل ابنتها المشلولة بلا زواج، وتتفهم حاجاتها الطبيعية وتساندها في خيارها بأن تحتفظ بالجنين بالرغم من غضب الأب المهاجر لهذا الامر واصراره على وجوب تخلي ابنته عن جنينها درءا للفضيحة الاجتماعية والا يتخلى عن مسؤولياته اتجاه الابنة ووالدتها، علماً بأنه لا يتحمل من المسؤولية الا مبلغ من المال، يقدمه لزوجته وابنته المهجورة، وكان هجرهما منذ أن ولدت أمل مشلولة، ويمكن الإستغناء عن هذا المبلغ، وأم أمل منتجة وصاخبة صيدلية ناجحة، ولا يمكن- على أي حال- أن يُقايض بحرمان امراة من أن تصبح أما ولا بتعريضها للخطر.
يعرض رشيد الضعيف كل قصصه هذه بأسلوب بسيط تميّز به في كتابة جميع روايته، بلا انفعال كبير مع انسياب سردي لا يخلو من الفكاهة، مع تدبر للأمور الشائكة بإيجابية تكاد تقارب اللاواقعية ولكن لا تدركها، إذ يستطيع الضعيف أن يقنعنا بالحلول التي يجدها أو تجدها نساء روايته.
إلا ان هذا الهدوء السردي ينفجر عندما يعلن والد أمل قراره بوجوب إجهاضها حتى ولو كان خطرا على حياتها.
هنا تنفجر الصرخة المكبوتة ويظهر الضعيف كمحامٍ "أمومي" بامتياز، أنها ابنتنا نحن الاثنين .." تقول أمل لزوجها عبر الهاتف، "هربت منها لأنها ولدت مشلولة..عاملتها كبضاعة لم تعجبك، فرفضت تسلمها"
ماما أديبة الثابتة في الرواية، المؤمنة التي تستقي الحكم العادل من النصوص القرآنية وأحاديث النبي ، تظهر كما أبدا الداعمة الحاضنة، الواجدة لمفاتيح الحلول برحمة وتقوى فتساند أمل وأمها للاحتفاظ بالجنين على سنة الله ورسوله.
"هرة سكيريدا" أو "ماما اديبة" يا رشيد؟