03-03-2014 10:15 AM
بقلم : أ.د رشيد عبّاس
في وقت مبكر من هذا الموسم أنعم الله علينا بـ«الثلجة» اليتيمة, لهذه الثلجة المنعوتة ابتسمت الأرض, وغرّدت العصافير, وفرح الأطفال, وتغازلت الجبال, وترامشت أوراق الأشجار وانحنت الأغصان..., وللأسف الشديد غضبنا نحن الكبار, وكفرنا بنعمة الثلج, كفرنا لان الثلجة قطعت أسلاك الكهرباء وتعطلت معها المسلسلات التركية وتمنينا أن نسافر من اجل سيدة الجمال التركي الحلوة«لميس», الثلجة المنعوتة عطلت مشاهدتنا لبطولة العاب الجمباز للبنات..., ومع «الثلجة» المنعوتة جاءت على استحياء مُقدِماتْ النشرات الجوية في محطاتنا الفضائية كنخيل البصرة ونسينا تاريخ أخر«ثلجة», ونسينا تاريخ أخر غزوة, ونسينا تاريخ أخر ركعة, لنعلن حالة الجفاف, وما أدراكم يا أحبائي ما حالة الجفاف..., مع ليلة «الثلجة» المنعوتة وقبل صلاة الفجر وجدنا «أطفال السفاح» داخل الحاويات متجمدين, ووجدنا زجاجات الخمر على جوانب الطرقات تذرف الدموع, ووجدنا بناتً مقتولة, ووجدنا جثثً مجهولة, ووجدنا أطفالاً مخطوفة, نعم وجدنا أباريقَ وضوءٍ مثقوبة, والأغرب من ذلك نبحث عن جائع كي نوظف ابنته طمعا بالنسبِ, وننتظر ساعة إعلان الزفاف «عفوا» إعلان حالة الجفاف...؟ «سبارتكوس», هو من أعظم عشرة مقاتلين على مر العصور وهو رجل شجاع كسر حاجز الخوف وقلبَ الأرضَ على الرومانِ وهو من أسرة عملت بزراعة العنب, كانت كلماته الأخيرة: إن إعلان حالة الجفاف أصعب عندي من إعلان حالة الحرب, يبدو أن هذا المقاتل أدرك تماما أن إعلان حالة الجفاف تعني جفاف البلاد وتعني جفاف العباد, وهذه الحالة بالنسبة له أصعب من حالة الحرب..., ويبدو انه أيضا أدرك أن إعلان حالة الجفاف تعني إمكانية«الهجرة», هجرة الأفكار مع بقاء الأجسام مكانها, وهي اخطر أنواع الهجرات..., ليس المهم إعلان حالة الجفاف , أنما المهم كيف نتعامل مع حالة الجفاف, كيف لا وان جميع الكائنات الحية كالحيوانات والطيور والأسماك والحشرات والزواحف والديدان وحتى النباتات والأشجار جميعها «تتكيف» كل حسب طبيعته مع حالات الجفاف, والسؤال الأول هنا: هل لدينا نحن البشر أدوات وطرق للتكيف مع حالات الجفاف كما أودعها الله لباقي مخلوقاته؟ والسؤال الثاني والمهم هنا: هل لدينا نحن الأردنيين أدوات وطرق وخطط وبرامج واستراتيجيات فاعلة للتكيف مع حالات الجفاف التي ستجتاح أردننا الحبيب لمدة عام على الأقل؟ اعتقد أن الأمر يتطلّب تصميم سياسة فعالة للاستجابة للجفاف أكثر من مجرد توظيف خبراء في الأرصاد الجوية والزراعة, ففي غياب السياسات الوطنية لمكافحة الجفاف، ستستمر الدولة في الاستجابة للجفاف بطريقة رد الفعل، أو، بعبارة أخرى، ستبقى دائماً في وضع إدارة الأزمات..., انعكاسات الجفاف أكبر بكثير من انعكاسات الفيضانات والأعاصير والزلازل مجتمعة...، لا بل اكبر من انعكاسات الحروب, الأمر الذي يجعل الجفاف الكارثة الطبيعية الأكثر تأثيراً في العالم، ووفقاً لتوقعات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية فأن تزايد شدة الجفاف وتواتره مع تغير المناخ في العالم ربما يستمر لعشرات السنوات..., والله اعلم.