09-03-2014 03:59 PM
سرايا - سرايا - لا مفر , فالوجع أثقلهم حتى خرجوا أفواجا أفواجا , قلوبهم مليئة بالألم , بالفقر , بالضيق سموا ما شئتم من عبارات البؤس فكلها حاضره في حياتهم , هم حتى لا أطيل عليكم هذا اللغز , غزيين الاسم , وفلسطينيين الهوية , قضيتهم تعاظمت حتى أصبحت مملة حد اللاوعي ..
هي قبلة جديدة تم اكتشافها شتاء 2014 , لا تشبه قبلة دينهم بتاتاً , هي رخيصة الثمن أو ربما مجانية , تطل مباشرة على زرقة المياه , هي لو صح القول قبلة الفقراء أو ربما الباحثين عن سعادة لأطفالهم , هي قبلة يسير إليها الناس أفواجا , لا لشيء إلا لأنهم بسطاء.
ميناء غزة , هي كلمة السر يوم الجمعة , للعوائل الغزية , ففيها تمزج جميع الطبقات الاجتماعية , فكلهم في الحصار متشابهين , يبحثون عن متنفس لقتل روتين حياتهم البارد كمارس تماماً , فللوهلة الأولى عند الاقتراب من شارع الميناء الذي لا يزال قيد الإنشاء والتوسيع ضمن المشاريع القطرية لإعادة تأهيل البنية التحتية الغزية , سيتبادر إلى ذهنك أنك على مقربة من مظاهرة جميع روادها يهتفوا سرا , كفا فالوجع غزة .
مع الصيادين
المرور مزدحم وعناصر الأمن يملئون المكان , والناس يتدافعون متسابقين من يدخل أولاً إلى هذا المرفأ الجميل , وكل الوجوه مبتسمة بفائض من الألم , فلا خيار لديهم إلا أن يبتسموا.
محمد أو وطفة , هو صياد يعمل في ميناء غزة منذ نعومة أظافره , وهو الآن شاب في أواسط العشرينيات , يقول مبتسماً وعينيه تفيض من الغيظ , لم أسمع في حياتي عن دولة تحول " مرفأ للصيادين " إلى متنزه شعبي , لقد تساوت خصوصياتنا مع عامة الشعب .
ويضيف قائلا: "انظر هناك , كان يشير إلى " القارب الخاص به " , هذا هو قاربي أنظر من يلعب فوقه , كان بالفعل بعض الأطفال يعتلونه ويعبثون في محتوياته , فقال , بعد كل يوم جمعة نفقد أمور ونجد أمور قد تلفت بفعل عبث الناس فيها , ولكن ليس بيدنا إلا أن نصمت ونقول الله يهون على الناس .
وعلى الجانب الاخر من المعاناة يصف أخيه الأصغر يونس والذي استغل هذه المناسبة بتحويل قاربه إلى قارب سياحي يأخذ الناس في جولات داخل البحر بأسعار مناسبة إلى حد ما , يقول: "هذا يوم عمل جيد نعوض به بخل البحر وغلاء المحروقات , لنحول القارب إلى قارب سياحي , يعوض شيء من الخسائر التي أثقلت جيوبنا .
مع الناس
كانت تجلس مع عائلتها وبرفقتها أخوتها الصغار الذين ملئوا المكان مرحا ولهوا , حين اقتربنا منهم لنسألهم عن سبب مجيئهم إلى هنا قالت منار , بعد أن أطلقت ابتسامة باردة , وهل لنا بمكان أخر يمكن أن يحتوي شح جيوبنا , وشقاوة أطفالنا , نعم نحن نأتي إلى هنا ليس لأن المكان جميل فقط بل لأن الحال فرض علينا هذا , فغزة التي تشح من المرافق العامة , أصبحت مظلمة كحصارها تماما ,
وتتابع القول: " كل الأماكن مخصخصة وتحتاج إلى ميزانية خاصة خارج حسبة الراتب الذي يأتي على استحياء ومبتور كل " ما يحن ربنا " على حد قولها , فهنا الهواء عليل والمكان جميل ولا يحتاج إلا لمسير أربع كيلو في شوارع غزة كنوع من "الدايت" لكي تقضي بعض الوقت خارج سجن البيت المقطوعة كهربته , ولهذا السبب أنا وعائلتي هنا ..
لا كهرباء ولا ماء ولا راتب ولا مرافق عامة ولا بنية تحتية ولا شيء للحياة يذكر حتى , هكذا أرادت منار أن تقول , وبهذا أجهزت منار على فضولي الصحفي , وعلى ما تبقى من تساؤلات , فلا حاجة لحديث أحد المسئولين, وسنبقى هذه الإجابة مفتوحة حتى يشاء الله لغزة فرجا , فرجاً يشبه دفأ قلوب أهلها .
فمنار رسمت في مخيلتي نهاية كنت أبحث عنها منذ كتابة أول كلمة في هذا التقرير .
لا شيء في هذه المدينة يستحق البقاء لأجله , إلا وطن يحتاج صبرا وصبرا كثير , فهذه هي ضريبة الحرية .