10-03-2014 04:20 PM
بقلم : محمد اكرم خصاونه
النفاق في اللغة العربية هو إظهار الإنسان غير ما يبطن، وأصل الكلمة من النفق الذي تحفره بعض الحيوانات كالأرانب وتجعل له فتحتين أو أكثر فإذا هاجمها عدو ليفترسها خرجت من الجهة الأخرى، وسمي المنافق بهِ لأنه يجعل لنفسهِ وجهين يظهر أحدهما حسب الموقف الذي يواجهه .
ولقد وردت آيات عن النفاق سأذكر منها. قال تعالى : ﴿إنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً﴾ سورة النساء آية 145، ويقول عنهم القرآن أيضاً: ﴿يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ سورة البقرة آية .9
وقال صلى الله عليه وسلم : ((أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)). فمن أجتمعت فيه هذهِ الخصال فقد أصبح منافقا ، ومن كانت فيهِ واحدة منها صار فيه خصلة من النفاق . اللهم ابعدنا عن النفاق وأهله .
ومن أشهر من أشتهر بالنفاق في التاريخ الإسلامي هو عبد الله بن أبي بن سلول .
فقد اضحى النفاق السمة المألوفة بيننا في هذا المجتمع فأصبح كل شيء في حياتنا نفاق في نفاق ، نفاق في تعاملتنا ، في علاقتنا ، في ممارساتنا ، في سلوكنا ، في الاخلاق، في الحب، في الصداقات، وحتى قبلاتنا التي تطبع على الخدود في مناسباتنا المختلفة ، نجدها قبلا مصطنعة ، يظهر النفاق فيها بوضوح للعيان .
لقد غرتنا المظاهر الزائفة واصبحنا نعشقها حتى اصبحنا نؤمن بهذا المظهر الزائف ، وابتعدنا عن الجوهر والحقيقة بل ربما كفرنا بالجوهر جملة وتفصيلا ، وغرتنا القشور.
أما الصدق في هذا الزمن الرديء فأصبح عملة نادرة ، بل قد يحارب من فئات كثيرة تعشق الكذب والنفاق والمرواغة واللف والدوران ، واصبح الكثير يجد في الكذب وسيلة لتحقيق مبتغاه ، فاصبح الكذب متداولا ، وكأنه حبوب نتعاطها في واقعنا الذي نحياه ، وصرنا نبرر ونتعلل من أن الغاية تبرر الوسيلة وكلها كذب ونفاق .
فالكثير يجيد النفاق والمداهنة والتملق ، بل وقد نجد الكثير من المنافقين في الصفوف الأولى من المسجد واكثر، وقد يعتمرون أكثر من مرة في العام ، ولو كان مجال الحج يسمح بأكثر من مرة لذهبوا للحج ليظهروا بمظهر الزهد و التقوى والورع والنسك !!؟
فالمأساة هي اننا غارقون في الدجل والرياء والزيف والخداع والنفاق ومسح الجوخ والولاء الكاذب والسطحية الفارغة، وخاصة عند المسؤولين وعلية القوم ، ولقد تخلينا عن الكثير من قيمنا الانسانية والدينية النبيلة والمبادئ والأخلاق الحميدة ، من اجل مصلحة دنيوية زائلة. فمن مظاهر النفاق الاجتماعي الذي يتجسد للعيان كثرة الدعايات الكبيرة والتهاني، التي قد تكون يومية أو أسبوعية ، وتزداد إشتعالا في مناسبات كنجاح في البرلمان أو النيابة ، او الوزارة، والتي كثيرا ما تحدث في بلدنا لأن تغيير الوزراة أصبحت فصلا من فصول السنة المعروفة.
أما الشكر للشخصيات الاعتبارية البارزة ذات الشأن والتأثير في مجتمعنا (وقد لا يكون لهم، التأثير الإيجابي بل تأثيرا سلبيا وغيرذات قيمة )، ومع ذلك نرى الكثير ممن جبل على النفاق يحاول التودد والتقرب منهم وإليهم بأي شكل من الأشكال وإن لم يكن من طبقته أو من بني جلدته .
أما في أعراسنا فبدت تظهر مظاهر البذخ والإسراف المبالغ فيه ، بدءا من الصالات التي يجب حجزها ، إلى نوعية بطاقات الدعوة ، إلى نوعية الطعام وأعداد المدعوين المبالغ فيه بشكل غير معقول والألعاب النارية التي تبدد ظلام الليل ، بل قد يصل الأمر الى أطلاق الرصاص الحي '' في احايين كثيرة وبشكل كبير ، ورغم التحذير والمنع . ولقد ظهر النفاق في عزاء الأموات لما فيه من مظاهر تدعو للعجب .
ولقد ظهرت في ألآونة الأخيرة ظاهرة الجاهات وعلى مستوى رؤساء وزراء يطلبون ويعطون ، حتى وإن كانوا من غير أقارب العريس أو العروس ''؟.
أن ما يجري في مجتمعاتنا لهو ، امر مؤلم مقلق ، محزن ، لما سيطرت علينا واستبدت بنا الأنانية وخدعتنا المظاهر الزائفة ، وسرنا وراء المفاتن التافهة وإننا ننجذب اليها إنجذابا لا يتصوره عقل .
أما روح الجماعة فلقد ولت هاربة واختفت ، وتلاشت المحبة والمودة الخالصة ، حتى بين الأخ وأخيه ، وغاب الوفاء واستشرى حب المال حتى جرى في النفوس كما تجري النار في الهشيم ، فالكثير لا يعبأ بإكتسابه هل هو من حلال أم من حرام '.
وأخال نفسي نعيش في مجتمع يعشق النفاق وبات النفاق امراً طبيعياً مألوفا، وأضحى الصدق مرفوضاً وغير مستحب وإنه اضحى عملة نادرة في هذا الزمن .
وقد يعاب على من يسلك طريق الحق ويكون الصدق منهجه في عمله وتعامله وسلوكه وافكاره وقيمه ومبادئه لهو انسان غريب وشاذ عن القاعدة وليس من ابناء العصر ، المنفتح والمتطور في نظرالكثير من المنافقين .
وامام هذه الفاجعة الأخلاقية و الواقع الاجتماعي البائس المتردي فإلى كم نحتاج من الجرأة والمصداقية والمواجهة العنيدة لمحاربة كل مظاهر هذا النفاق واجتثاثه من جذوره .؟
فالمثقفون والأكاديميون ووسائل الإعلام ، والجامعات ، ومن لهو دور فاعل بالمجتمع ، مطالبون بتثقيف وتبصير وتوعية الجيل الصاعد ،بل المجتمع برمته ، والعمل على نشر ثقافة جديدة من التنشئة الإجتماعية الصحيحة بغية التخلص من هذه المظاهر الإجتماعية الضارة ،والتخلص من العادات الدخيلة علينا ، والتي اصبحت تفتك وتهدد مستقبل مجتمعنا ، الوادع الآمن ، والعمل على بناء حياة مدنية عصرية على اسس جديدة ، يحكمها العقل والتفكير العلمي، قائمة على الصدق والنقاء والقيم الاخلاقية الحضارية والتعاليم الدينية الحقيقية، والإبتعاد عن كل مظاهر الزيف والخداع والنفاق .