12-03-2014 11:14 AM
بقلم : الدكتور محمد السنجلاوي
من معبر الحقد، ومن معبر الكراهية، ومن معبر الغطرسة، ومن معبر الشوفينية، ومن معبر الغدر، ولجوا إليك ونهشوك بأنيابهم الحادة، وببنادقهم المحشوة بالموت، فأردوك شهيداً على معبر الكرامة بشهر الكرامة..
لن تكون أيها القاضي أول أو آخر شهيد، فقد سبقك إلى لائحة الشرف وإلى فراديس الخلد، وإلى مواجع الذاكرة مئات الشهداء، الذين رحلوا مخلفين ورائهم وطناً قُدَّ قميصه من دبر بعدما راودته عن قلبه ثعالب المكر والخيانة..
أهديت لنا باستشهادك أيها القاضي إكليلاً من الغار، وإكليلاً من المجد، جدّد في ذاكرتنا قصة التضحيات التي بدأت تنحرف عن مسارها ومضمونها على امتداد رقعة الوطن العربي، فبدلاً من أن تكون للأوطان أصبحت تضحياتنا بالأوطان..
بدفاعك أيها القاضي عن كرامتك التي سيجتها بخيول دمك وصهيل كبريائك، علمتنا درساً في الكرامة.. علمتنا درساً لن ننساه ما دام لنا ذلك (المعبر) الذي يذكرنا في كل يوم بأن لنا كرامة مسلوبة تصرخ على وقع خطى العابرين..
بعد استشهادك أيها القاضي، تحول الأردنيون عن بكرة أبيهم إلى محامين، فأعلنوا بصوت واحد أن قضيتك ليست بحاجة إلى مرافعة أو محكمة أو شهود أو قضاة.. لأن قضيتك يا شهيد الكرامة محسومة لصالح الوطن، ولصالح التراب الذي كبّر من تحت قدميك مع أول رصاصة سكنت بين أضلاعك، التي انتفضت بوجه شذاد الآفاق.. وقراصنة الأوطان.. وأحبار التزوير والتزييف..
إن دمك يا شهيد الكرامة، أطلق زغاريد النسوة في البيوت.. فتحولت فوق سماء الوطن إلى سحابة غسلت أجسادنا العارية من أدران الصمت.. وطهرت حناجرنا من حشرجة المواويل المبحوحة والمذبوحة..
إن دمك يا شهيد الأمة، قد تحول إلى مارد من نور بعد أن كسر قمقم الخنوع والقهر.. فأضاء بنوره كل ساحاتنا العربية المظلمة والمرصوفة بأرتال اللحوم العربية الرخيصة، التي نهشتها ديدان الفتنة، وذئاب الكراسي التي تعوي في صقيع الفرقة، وفي صحراء الوحدة العربية التي لوحتها شموس الأكاذيب.. وقطّعت أوصالها عجلات الخيانة المسنونة والمسمومة..
شكراً لدمك الطهور الذي همس في آذاننا قبل أن يتحول إلى عشب أخضر في ذاكرتنا العربية المتورمة بالهزائم (الصفراء، والسوداء، والحمراء..) :
"نريد أن نحيا قليلاً
لا لشيء
بل لنحترم القيامة بعد هذا الموت..".
للمتابعة على الفيس بوك: الدكتور محمد السنجلاوي