15-03-2014 04:30 PM
سرايا - سرايا - المعمر الحاج محمود سعد عبد الله بكر جوابرة والمعروف في المنطقة " بالدبس " ، وهو اكبر معمر في منطقة نابلس والمولود في بلدة عصيرة الشمالية عام 1910 ولديه 3 أولاد و 5 بنات و 118 حفيدا مقسمين بين ذكور وإناث .
مئة وأربع سنوات يبلغ الآن ومازال يحب الحياة ، يقول الحاج أبو محمد :" قديما كانت حياتنا بسيطة، كنا قريبين من بعضنا ،ونحب بعضنا البعض ، نحزن لحزن الآخر ونفرح لفرحه ، بالماضي كنا إذا توفي شخص بالبلد لا نقيم الأعراس والأفراح سنة كاملة حدادا على روحه .
أما اليوم يكون العزاء في بيت احدهم والفرح والأغاني والزغاريد في بيت جارهم ، وكنا جميعنا نحترم بعض وكانت البركة موجودة ، لم يكن في زماننا جوال ولا تلفزيون ولا توب وبوك -ويقصد هنا اللابتوب والفيس بوك-.
ويتابع حديثه عن الصحة والطعام قديما : " كانت الأمراض قليلة ، لم نكن نسمع بالسرطان ، ولا بالجلطات ، وكنا نتداوى بالأعشاب والزيت والميرمية والبابونج ، وبالماضي كنا نزرع ونأكل كان للطعام مذاق مميز وطعم لا أنساه ، الله على أكلات زمان على الثريدة والعدس المجروش والمسلوعة ، قديما عندما كانت أمي تطبخ الثريدة كانت رائحتها تعبي البلد كل شيء كان بلدي خالي من الهرمون والأسمدة الكيماوية ، ومازالت أكلتي المفضلة حتى اليوم .
فزوجة ابني تطبخها لي يوميا حتى لو كانوا طابخين خروفا محشيا أفضل صحن الثريدة ويوميا اشرب الزيت على الريق ، لم أذكر بحياتي شربت حبة دواء واحدة ولا حتى اكمول فعندما اشعر بالصداع أتناول حبة حامض بقشرها ، ولم البس نظارة يوما ومازال نظري ستة على ستة ، ولا اعرف طعما للدخان أو الشيشة أي الارجيلة ، ولا أحب القهوة فقط أتناول القليل منها مضطرا في بيوت العزاء " .
خمسة حقب سياسية عاصرها الحاج أبو محمد فقد عايش حكم الدولة التركية لمدة ثماني سنوات، ثم الانتداب البريطاني واستمر 30 سنة ، وبعد ذلك الحكم الأردني لمدة 17 سنة وعايش نكبة 1948 ونكبة 1967 ، وحاليا يعيش عصر السلطة والتغيرات التي شهدتها المنطقة خلال الفترة الماضية ، وأشار إلى أن أفضل حقبة تاريخية عاشها كانت فترة الانتداب البريطاني فقد كانت دولة عادلة تطبق العدل على الجميع .
وأصبح المعمر أبو محمد مرجعا للكثيرين لمعرفة انساب العائلات وبعض الروايات القديمة في البلدة ، وكل من يجلس معه ويتحدث إليه يشعر وكأنه يجلس مع موسوعة ملمة بكل أمور الحياة.
ويتخوف الحاج أبو محمد من المستقبل مبينا أن له نظرة في الحياة وانه يخاف كثيرا من القادم فالحروب كثرت واستباحة دم الإنسان أصبحت مشروعة في هذا الزمن " .
وعن فترة الطفولة والدراسة حدثنا المعمر أبو محمد قائلا : :" دخلت الصف الأول وعمري 5 سنوات ، مازلت اذكر الشيخ إسماعيل من نابلس كان مدرسا لمادة الدين ، والشيخ صادق ودرست حتى الصف الخامس ، ومازلت حتى اليوم أتقن القراءة واعرف بعض كلمات الانجليزي وبعض أحرف وكلمات اللغة العبرية ، وبعد الصف الخامس توجهت للعمل في الزراعة مع والدي
دمعت عيناه متذكرا أخاه الذي استشهد في حرب الانجليز تاركا ولدين وبنت فتزوج زوجة أخيه والتي ايضا جاءها الموت زائرا أثناء الولادة ، وبعد فترة تزوج من أخرى ، رحلت هي الأخرى عام 2000 وتركته وحيدا .
مازال الحاج أبو محمد يعشق الورد كثيرا ولكنه يعشق الأرض أكثر :" موضحا انه حتى اليوم يحب الزراعة ويعتني بأرضه وبأشجار الزيتون التي زرعها من عشرات السنين واصفا إياها أنها مثل بناته تعب عليها كثيرا ويوميا يذهب إلى أرضه مشيا على رجليه رغم بعدها عن بيته ليصبح على أشجاره ويشكي لها همومه ويغني لها اهازيجا شعبية ويتغزل بها وبحبه لها وبجمالها .
ويقول لها يوميا اعذريني فانا كبرت وربما أموت بأي لحظة فلا تحزني إن لم ارجع يوما .
ويقضي الحاج أبو محمد وقته نهارا في الأرض صباحا ، وفي البيت بعد الظهر لتناول الغداء والنوم قليلا ويشارك أهل بلدته أتراحهم وأفراحهم ، وجميع مناسباتهم ،وعصرا يتجول في أحياء بلدته ويزور معارفه وأقار.
، ويقول الحاج أبو محمد انه يصلي جميع الأوقات والصلوات في المسجد حتى صلاة الفجر ويقيم الليل يوميا ، ويحفظ القرآن غيبا ويقضي من ثلاث إلى أربع ساعات كل ليلة بقراءة كتاب الله ، ليختمه بالشهر أكثر من أربع مرات ، ويصوم رمضان كل عام ويختم المصحف الشريف 17 مرة في كل رمضان . وتمنى الحاج أبو محمد أن يطيل الله بعمره ليبقى يقرا القران ويشكر الله على نعمة العمر المديد والصحة الجيدة ، وتمنى من الله أن يبقى يتمتع بصحة وذاكرة سليمتين وان لا يرميه الله ولا يعزه لأحد وان يموت وهو يمشي وبين أشجار الزيتون . يلحظ المستمع لحديث الحاج عطية افتقاده للأمان والطمأنينة التي كانت تسم الحياة قديما؛ ويقول
:” علاقتنا كانت جميلة قائمة على أساس المحبة والاحترام وصلة القرابة، والناس يحبون بعضهم على الخير والشر، وكان عدد السكان قليل والبركة كبيرة، وما كان في غرباء وما كان في سرقات” .
لا يستطيع المعمّر أبو عطية رؤية الحاضر إلا بمرآة الماضي الأجمل كما رآه، فقد كانت حياتهم كما يقول مختلفة تماما عما نحياه اليوم، ” قديما كما نوكل مما تنتجه الأغنام من زبدة ولبن رايب وغيرها، فالاغنام زمان كانت قوية توكل من الأرض نفسها، أما اليوم فتموت الأغنام بسرعة من طبيعة الأكل اللي بتوكلو
ويواصل الحديث عن الصحة والطعام مستذكرا :” وكانت الأمراض قليلة، كنا نتداوى بالأعشاب والزيت والميرمية وغيرها، وما كان في طب ومستشفيات وسيارات إسعاف، كانت المرة تحمل الميّ على رأسها من مسافات بعيدة وما تتعب أو تمرض”.