26-03-2014 12:25 AM
سرايا - سرايا - تحيط بالمتلقي أكثر من ألف لوحة رسمها الفنان الفلسطيني عبد الحي مسلم عن بلده ووطنه لحظة دخول مرسمه بجبل القصور أحد أحياء عمان البسيطة، فهي شاهد على مسيرة حافلة بالكبرياء والفرح والإنشاد بتقاليد شعبه وبكفاحه المجيد.
وتقديرا لهذا الفن الفطري الزخم، قامت مؤسسة محمود درويش في رام الله لهذا العام بمناسبة الإحتفاء باليوم الوطني للثقافة الفلسطينية والذكرى السنوية للشاعر الكبير محمود درويش، بمنح الفنان والرسام عبد الحي مسلم والشاعر المصري عبد الرحمن الأبنودي وأمين عام المجلس الثقافي للبنان الجنوبي حبيب صادق جائزة "محمود درويش".
وقال رئيس مؤسسة محمود درويش ياسر عبد ربه في الحفل الذي أقيم مؤخرا في رام الله، "إن منح الجائزة لعبد الحي مسلم، جاء كي لا يغمر النسيان إبداعه، فقد رسم الحياة الفلسطينية وصلتها بالأرض ببساطة".
ويقول مسلم، "إن علاقته بدرويش علاقة قضية قومية قبل أن تكون ثقافية، كونهما يناضلان من أجل قضية واحدة".
واستوحى مسلم الكثير من لوحاته من أشعار درويش، وذكر منها لوحتي؛ "الرحيل عن بيروت" و"مجزرة صبرا وشاتيلا" المستمدة من قصيدة "مديح الظل العالي"، ولوحة "مذبحة تل الزعتر" المستوحاة من قصيدة "أحمد الزعتر".
وفي بدايات الفنان مسلم في الرسم، اتخذ طريقا للمناطق العميقة في طبقات الروح الفلسطينية، فاستلهم التراث الكنعاني بكل ما فيه من خصوبة وأساطير، ويمكن أن يكون لسنوات الصبا التي قضاها في قريته (الدوايمة) قبل العام 1948 أثر كبير في استحضار ذلك التراث، ففيها عشرات المواقع الأثرية التي ترجع في معظمها إلى العصر الكنعاني، هذا بالإضافة إلى كون القرى الفلسطينية هي الوريث الطبيعي لذلك التراث الممتد منذ آلاف السنين.
وعليه نجد في لوحاته حضور التراث الفلسطيني من خلال استخدامه بعض الرموز والإشارات، فهناك ثمة تشكلات مختلفة منها المراكب القديمة التي تشق عباب الماء، النساء اللواتي يطرن، أو يتحولن إلى أشجار.
وفي اللوحات هناك أيضا احتفاء خاص بالمرأة، التي تنهض بكامل فتنتها واكتنازها كصورة أخرى للأرض. وحتى يكتمل دورها كرمز للعطاء والخصوبة فقد عمد الفنان إلى تضخيم جسدها بالقياس إلى جسد الرجل، الذي كان يبدو ضئيلاً ومستسلماً في حضنها.
كما استمدت لوحات الفنان مواضيعها من أجواء الفلكلور الفلسطيني، وانفتحت لوحاته على جو القرية الفلسطينية فأخذ يرسم كل شيء فيها، البيوت الطينية المقبّبة، النساء حاملات الجرار، الرّعاة وأغنامهم، الأعراس والدبكات، وقد توسع في هذه المواضيع فاعتنى بالتفاصيل الصغيرة في حياة الريفيين وأضاءها.
وتتضح هذه التفاصيل في عدد كبير من اللوحات التي رسمها ومنها؛ "عيد الشيجور، حديث فنجان القهوة، معاتبة ابن العم لعدم زواجه من ابنة عمه، ترحيب بالضيف، الغزل في الوجنات، المكحلة، مناجاة".
ومن الأعمال المهمة التي أبدعها الفنان في هذا المجال رباعية بعنوان "العرس الفلسطيني"، وفيها نشاهد مراسم العرس الفلسطيني القديم وما يحتويه من طقوس؛ خشّة الدار، حنّة العروس، رقصة النساء، الدّبكة، الشاعر، زفة العروس على الجمل.
وفي هذه الرباعية تظهر براعة الفنان في شحن اللون بعناصر الحركة والإيقاع، إلى الحد الذي نندغم فيه بتجليات اللحظة الماضية. وهنا تعمل اللوحة كشبكة لاصطياد الحنين، فحين نشاهدها تتموج تحت أعيننا تلك الأرض الخفيفة الملبدة بالأحلام ونمسك قلوبنا كي لا تسقط وتتكسر.
ويعتمد مسلم في أعماله على تلك الخامة البسيطة التي كان قد اكتشفها في بداياته، والتي هي عبارة عن خلطة من نشارة الخشب والغراء، حيث يقوم بواسطتها بتجسيم الشخوص والأمكنة، ثم في لحظة تالية يقوم بنحتها وتلوينه بدقة عالية.
ظل مسلم خلال مسيرته الفنية مخلصا لفنه وقضيته الوطنية، يبدع بأعصابه وأحاسيسه قبل أن يبدع بفرشاته وإزميله، ولذلك جاءت أعماله متوترة قلقة وتنبض بالحياة.
والانطباع الذي يخرج به المشاهد، وهو يتجول في محترف الفنان، حيث تتكدس مئات اللوحات والجداريات، هو تلك الإرادة المدهشة التي يتمتع بها وهو بسن متقدم على مواصلة الإبداع، إنه لا يكف عن البحث والاستقصاء والحفر في أعماق الذات الجمعية للإنسان الفلسطيني.
ويرى الفنان عبد الحي مسلم من مواليد قرية (الدوايمة) الفلسطينية العام 1933، أن ولادته الحقيقية كانت في العام 1970 عندما بدأ الرسم، فلم تكن نية مسلم حين بدأ مشواره الفني أن يصبح فنانا، فهو لم يدرس الفن أصلا، لكن عشقه لتراب الوطن وهموم شعبه المتراكمة كانا وسيلتيه في التصور والرسم.