08-04-2014 03:24 PM
بقلم : رقية القضاة
لان التاريخ الحضاري للأمم مرتبط أشد وأوضح مايكون بعقائدها ، فإن تنوع الأثر الحضاري للأمم لازم الإختلاف والتباين، وليس بالضرورة الاصطدام والتقاطع والرفض الكامل ، بل هو توارد وتتابع الامم بعقائدها وثقافاتها وآثارها المختلفة وفق تدبير العزيز الحكيم الذي جعل عمارة الارض قرونا تتلو قرونا مع اختلاف الشرائع وتباينها ما بين حق وباطل عند الله سبحانه فالقران يقر بوجود حضارات واستخلافات وامم سابقة اثارت الارض وعمرتها وهو ماعبر عنه القران الكريم بقوله سبحانه وتعالى[واثاروا الارض وعمروها أكثرمما عمروها]ومع أن الحديث عن هذه الحضارة جاء في معرض السير في الأرض والإعتبار بنتائج الإعراض عن رب الخلق [الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى] إلا أن القرآن قد أقر لهم بالبناء والإعمار والتأثير.
وهو أيضا ما أوضح ووثق المباديء التي تقوم عليها حضارة الأمة الاسلامية ، فهي لا تلغي الآخر ولا تقيم له المذابح الجماعية في حركة خرقاء يظن بأنها ستلغي الإسلام كدين وتمحوه كنور وحضارة ، بل تتعايش معه وتبني بمعيته دون ادنى انسلاخ من ثوابتها الشرعية، وهو أيضا ما يجعلها في موقع الديمومة والتجدد والتأثير والتميز الإنساني والفكري ، المادي والروحي، العبادي والعقائدي والتشريعي،[لكم دينكم ولي دين ] وهو كذلك ما اعطاها ميزة الإمتداد والقبول والإحترام في نفوس المنصفين ،يقول[ بول كيندي] في كتابه[ الإعداد للقرن الحادي والعشرين] [الإسلام ظل لقرون طويلة قبل نهضة اوروبا يقود العالم في الرياضيات والعلوم وعلم الجغرافياورسم الخرائط والطب ، وفي الكثير من علوم الصناعةوغيرها ، في الوقت الذي لم تكن امريكا واليابان تمتلكان شيئا من ذلك
إن القوى التي تسعى للسيطرة على العالم بكل مقدراته البشرية والمادية وفق ما يسمى بالقوى النفعية أو الراسمالية تسعى دائبة الى تزوير الحقائق وقلب الصورة الحقيقيةإالى ضدها فتتهم الحضارة الإسلامية بالتعارض والتصادم مع الحضارات الاخرى، وبصورة واضحة وجلية لايتردد أحد منظري الراسمالية وهو [هنتجتون ] المنظر الرأسمالي الشهيروصاحب كتاب{ صدام الحضارات} أن يجاهر بأن مشكلة حضارته مع الإسلام كدين فيقول في كتابه[ان المشكلة ليست مع الأصوليين الإسلاميين وحدهم، بل انها تكمن في الإسلام نفسه] ولقد اصاب هذا المنظر برأيه فطالما ان الاسلام هو مرجعية الأمة فانها لن تكون حقلا خصبا لهذه السموم المادية او تلك حتى ولو ارتدت زي التقدم المادي ، والحضارة النفعية ،وحتى لو تزينت بكل ما يلمع ويبهر من الشعارات الزائفة ،التي تتغنى بحقوق الانسان وسعادة البشرية.
إن موضوع الصدام مع الحضارات ،ورفضها جملة وعدم التأثر والتاثير بها ادعاء فندته ولا تزال، كل تلك الصور من التعايش والتفاعل الإنساني بين الاسلام كدين وحضارة وفكر ،وبين غيره من الأمم والشعوب ، فما يزال قلب أوروبا ينبض بتلك المآثر الفكرية والفنية، ولا تزال تلك المنائر والمنابر تنتصب شامخة في وجه كل دعي كاذب، لتقول للتاريخ من هنا مر قوم قلوبهم عابقة بالتوحيد، وعقولهم عامرة بالإبداع ،وايديهم صناع ماهرة في رسم وجوه حضارية متميزة للتألق الإنساني في اروع إبداعاته، وأدق تفاصيله الراقية ، تقول للذين يدعون بأن الاسلام عائق أمام الحضارة الإنسانية، حين كانت بلادكم تغط في غيبوبة الوهم ،وتغرق في مستنقعات الجهل، وتلغ في دماء الأبرياء، وتقتات على شقاء الفقراءوالمكدودين ، كان بنوا ديني يبنون لكم موروثا ثقافيا إنسانيا بكل القيم الرفيعة، ويشيدون في قلب كيانكم إرثا حضاريا مجيدا خالدا، تمشون في مناكبه وتتيهون على الزمان به ، من هنا مر الإسلام بعدله ورحابته، وهنا أقام قرونا، ليعلِم المكبلين بقيود العبوديةوالاقطاع ،كيف يصوغون جراحهم الحانا تطلب الحرية ،ويعلم المظلومين كيف يقفون طودا شامخا في وجه امواج الظلم ،وهم يسمعون كلمات الله الخالدة المحررة للأرواح تتردد في جنبات الاندلس ،وتملا رحاب اوروبا[ياايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم]
الحضارة الإسلامية التي تصنف اليوم على ايدي منظري الرأسمالية ،بانها ايديولوجيا مثيرة للكراهية محاربة للتقدم ومتصادمة محاربة للحضارات الاخرى ، هي الحضارة الوحيدة القائمة على أساس متين من{ التقوى} والتي هي قوام العدل البشري ، وهي الميزان الذي اعتمدته هذه الحضارة المشرقة ،في تقرير مايؤخذ وما يرد من الحضارات والمعتقدات الأخرى، فالزبديذهب جفاء هباء ،ويتلاشى بفعل ظلمه او جهله اوأنانيته أو تنافره مع مصلحة الإنسان كإنسان ،واما ماينفع الناس بكل اطيافه ومشاهده ومشيداته واثاره ، فيمكث في الارض ثابتا القا مؤثرا ولو كره المبطلون مصداقا لقوله تعالى{أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض} .
نعم المشكلة في الإسلام نفسه مع تلك القوانين الظالمة للبشرية ،ولا أسميها حضارات لأن الحضارة هي الحضور الإنساني الباني، والمنتج والراعي والمراعي لمصالح البشرية كلها، وليس لمصالح طبقة أنانية جشعة صنعت نظاما نفعيا جائرا، ثم فرضته كمصطلح حضاري زائف في حركة ردة إلى عصور الإقطاع ولكن بمسميات حديثه ،وعليه فإن عبارة ومصطلح صراع الحضارات هو مفهوم نفعي إجتثاثي لكل ما يمت إلى الحضارة الإسلامية بصلة ،وهذا المفهوم غطاء فكري لسياسة الهيمنة الأمريكية الرأسمالية على مقدرات العالم، والتي لاتجد لها معوقا أشد وانكى من الإسلام، مهما حاولت تطويعه أوتطويقه أو تسييره عبر تصدير الفكر الليبرالي ،واحتواءها لبعض التيارات المسماة بالإسلامية، تحت مسمى التحديث والتطوير والاإنسجام مع الآخر، فلا مبدل لكلمات الله