حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,28 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 33729

لن يستقيم التعليم دون عقاب ..

لن يستقيم التعليم دون عقاب ..

لن يستقيم التعليم دون عقاب  ..

10-04-2014 09:47 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : أيمن موسى الشبول
حظي التعليم الأردني بسمعة„ عالية„ وطيبة„ ، وحاز على ثقة الداخل والخارح منذ نشأة الإمارة الأردنية في عشرينيات القرن الماضي ، وكم تفاخر الأردنيون بتعليمهم الراقي المنضبط والملتزم أمام القريب والبعيد ! وكم أثنوا على عطاء مدرسيهم وعلى انضباط وأخلاق تلاميذهم وعلى حكمة وزارتهم وجدية جامعاتهم !
وبقي التعليم الأردني محتفظا” بإنضباطه وبعطاءه المتميز إلى أن آل أمره لهواة التقليد والتغريب والتجريب ! وهم الباحثون عن الذات والشهرة ودوام المنصب ولو كان ذلك على حساب الوطن ومستقبل الوطن أبناء الوطن ! وبرز النهج التجرييي لهؤلاء بعد اتفاقيتي أوسلو ووادي عربة ؛ فقال بعضهم : لا بد من مواكبة مستحدثات الأمور ولا بد من العصرنة وملازمة التطور ، وقال آخرون : لا بد من مراجعة طريقة غرس المعلومات في أذهان الطلاب ، وقال غيرهم : تعالوا لنقلب طريقة تعلم أبنائنا للقراءة والكتابة فقلبوها كما شاءوا ، وقالوا غير ذلك وجربوا وفعلوا واستحدثوا ، وخالوا أنهم قد ابتكروا ولكنهم في واع الأمر : هدموا وأفسدوا وخربوا !
وتواصل مسلسل الهدم للتعليم الأردني ، وتسارعت سيناريوهات السقوط مع كل تجربة وفلسفة جديدة ! وبين كل هذه التجارب والمحاولات والتعميمات والنظريات حار المعلمون في أنفسهم وتاه الطلاب في أودية الجهل والتخلف والظلال ! واستمر التعليم الأردني في مساره التنازلي والعكسي المخيف ، ورغم كثرة الشهادات العلمية الموجودة ورغم العدد الهائل من الخريجين ورغم عدد الجامعات فقد سطعت الحقيقة المرة في وجهع الجميع ، وكشفت العيوب المثيرة والكثيرة ، وفضح المستتر وبان الخلل والزلل ، وقد شاهدنا مصيبة الغش الجماعي والعلني لطلبة الثانوية العامة ، والذي جرى ويجري بمباركه الأهل وبدعم من الأقرباء ورجالات العشيرة وأمام الجميع ! وظهر الانحدار السريع في تعليمنا وفي أخلاقنا عندما بيعت أسئلة الإمتحانات وتسربت لتصل أبناء الذوات والحيتان والأثرياء ، وتجلى الإنحدار التعليمي عندما تجرأ البعض على اهانة وضرب المعلمين في مدارسهم ، كما تجلى الانحدار التعليمي في مشاهد العراك اليومي في جامعاتنا ، كما ظهر في قصص الإجرام اليومي في شوارعنا وفي العنف المجتمعي في بيوتنا وفي أسواقنا ...
في الزمان القديم أدرك الآباء بفطرتهم السليمة الدور الكبير للمعلمين في بناء عقول الطلاب وفي تهذبب نفوس الأبناء فساندوهم ، وأدركوا أهمية المعلمين في بناء مجتمعنا الأردني فوقروهم ، كما أدركوا أهمية التعنيف والعقاب لتربية وتهذيب وتعليم الأبناء فقالوا للمعلمين : إنهم أبنائكم بين أيديكم فوجهوهم وعلموهم وعاقبوهم واضربوهم ، ولا تبالوا بعدها لشيء : ( لكم اللحم ولنا العظم ) !
لم تصرح قوانين وزارة التربية بمعاقبة الطالب المسيء ولا بتعنيف الظالب المقصر ولا بزجر الطالب المخطئ عبر تاريخها الطويل ، ولكن قناعات المجتمع الأردني المحافظ وفطرة الآباء السليمة أباحت العقاب بعد أن اقتنعت بأن الظالب الجاهل سيخاف من العقاب ولكنه لن يخجل ، وبأن الثواب والعقاب لا يفترقان ، فكانت النتيجة الظاهرة في تلك الفترة هي : أبناء واعون ومثقفون ومجتهدون ومنتمون وعاشقون للعلم وللوطن ، ومعلمون مثابرون وصابرون ويشعرون بالراحة التامة في العمل .
لقد خاطب الأولون معلمينا بالقول : أنتم الرسل المؤتمنون على أبناءنا ، وأنتم الحريصون على فلذات أكبادنا ، وأنتم البانون لعقول أجيالنا ، وأنتم الشمعة المنيرة في عتمة الليل فلكم التقدير والتبجيل ، أيها المربون والموجهون : لا تستسلموا أبدا” ولا تجزعوا ولا تفزعوا ولا تيأسوا ، فنحن معكم وخلفكم ، وإن أخطأ الأولاد فلا تترددوا في عقابهم أبدا” : ( لكم اللحم ولنا العظم ) .
وبقينا على هذا الخط التعليمي المميز بنتائجه وبثماره حتى بدأ مسلسل التطوير والتقليد والتغريب والتجريب دون أدنى التفات لخصوصية المجتمع الأردني ، ودون مراعاة للواقع الموجود في بلادنا العربية ...
خلال عملي الطويل في مهنة التعليم حضرت الكثير من دورات التطوير التربوي في الأردن وخارج الأردن ، والتي عقدت تحت عناوين براقة ومسميات جميلة ، والحقيقة بأن الدورة الوحيدة التي رسخت في ذاكرتي هي : الرخصة الدولية لقيادة الحاسوب ، أما بقية الدورات فكانت تكرارا مملا”وسردا” عقيما” لتجارب وحكايات وفلسفات ورؤى الآخربن في التربية والتعليم وانتهت بعد أبام ، ولا أتذكر مما قيل في تلك الدورات سوى القصة التي رواها أحد المشرفين الأردنيين في إحدى الدورات المعقودة في دولة خليجية مجاورة حين قال لنا : أرسلتنا الوزارة في تلك الدولة لحضور دورة في مدارس اليابان الحكومية للاظلاع على تجربتهم في التعليم ، وراقبنا كل ما يجري وما يحدث في مدارسهم فلم نلمس الفرق الكبير بين مدارسنا ومدارسهم ! جرس يقرع ، وحصص تعطى ، وسبورة وأقلام وألوان ، وبعض الوسائل التعليمية المساندة لعمل المعلم ، ولكن الطلاب اليابانيين كانوا أكثر التزاما” وانضباطا” وتميزا” واقبالا” على التعليم من طلابنا ، فحاولنا استقصاء سبب هذا التميز وهذا الانضباط والالتزام والاقبال للطلاب اليابانيين ، فقال لنا مدير هذه المدرسة : إن السر بكمن في وجود العقوبة الصارمة بحق كل المسيئين والمقصرين والمستهترين ! فقال الموجه الأردني عندها : يا الله ! إنها نفس الطريقة التي كانت موجودة في زماننا القديم ولكننا قلدنا الغرب والشرق و هجرناها ؛ فكانت النتيجة هي : انحدار التعليم وضياع الأجيال والأمة .
لا شك بأن المجتمع والوطن والدولة هم الخاسرون الأوائل من انحدار التعليم ، ومن قلة الأنضباط وانعدام الأخلاق عند الشباب ، فالطالب المنضبط والجاد والملتزم هو مكسب كبير للوطن وللمجتمع وللدولة ، والطالب المنفلت والمنحرف والغشاش سيبقى عالة أبدية على المجتمع وعلى الوطن والدولة ، وإن تجربتي في العمل التربوي والتعليمي قد أثبتت لي وبشكل قاطع بأن أساس التعليم هو الالتزام والانضباط ، فلا تعليم دون انضباط„ ولو كان المحاضر خبيرا” وعالما” ودكتورا” ! وستتحق الأهداف التعليمية بسهولة„ ولو كان المدرس مبتدئا” وخريجا” !
وفي النهاية فانني أتوجه بالتحية الصادقة لكل الجهود المخلصة والهادفة للعودة بالتعليم الأردني لسابق عهده المشرق ، وتحية صادقة لمعالي وزير التربية والتعليم الحالي على جهوده المخلصة و لانتشال التعليم الإردني من محنته .








طباعة
  • المشاهدات: 33729
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم