12-04-2014 09:47 AM
بقلم : أ.د رشيد عبّاس
من خُلق ليزحف لا يحق له أن يطير ..مثل روسي جميل وقديم, مثل جمع بين طبيعة الزواحف وطبيعة الطيور, وربما تعدى طبائع بني البشر, كلما أمعنا النظر بهذا المثل كلما اكتشفنا شيء جديد في هذا الكون الواسع, لكن هل قيل هذا المثل بحق الزواحف؟ أم قيل بحق الطيور؟ أم قيل مجازا بحق بني البشر, وهنا تكمن العبر والمعاني والدلالات ..على جميع الأحوال نكتشف على الأقل أن الله تعالى خلق المخلوقات كل ميسر لما خلق له, فهناك من هيأه الله تعالى للطيران في الفضاء في جو السماء وقد تصالح مع بيئة الطيران, فلا يجد لنفسه مكانا طبيعيا إلا فوق رؤوس المخلوقات, وليس المسألة بالأماني وإنما بقدرات وإمكانيات تؤهله لذلك حتى وان أنكرها البعض, ومن هذه المخلوقات أيضا من قدر عليه الله تعالى أن يكون سيره على الأرض زحفا وقد تصالح مع بيئة الزحف, فلا يستطيع أن يسير إلا هكذا, هذه كل قدراته وإمكانياته, ولا يرى حرج في ذلك لأنه لا يملك من العطاء إلا هذا, وان قذفته للأعلى, فسوف يعود ليسقط على الأرض من اجل أن يزحف .
من خُلق ليزحف لا يحق له أن يطير ..هذا المثل تعدى طبائع بني البشر, لان المشكلة تبقى عند بني البشر, فالبعض منا يحاول أن يطير ويدفع بنفسه للأعلى ليرتفع من اجل أن يطير فوق رؤوس الخلق ولكن للأسف الشديد سرعان ما تكشفه قدراته وتفضحه إمكانياته, ليعود لطبيعته زاحفا لأنه خلق فقط لان يزحف ..والبعض الآخر منا يحاول أن يرفع الآخرين إلى عنان السماء ظنا منهم أن هؤلاء سوف يخرجوا من دائرة الزحف طائرين محلقين في الفضاء, لكن هؤلاء خدعوا أنفسهم وخدعوا الآخرين, أو ربما تجاهلوا قدرات وإمكانيات الآخرين في الزحف ..والزحف فقط .
المفارقة هنا نحن بني البشر نسير على الأرض, ومع كل الاعتبارات, فان البعض منا يزحف والبعض الآخر يطير, وتصنيفنا كبشر من حيث الزحف والطيران يأتي فقط من خلال (الكلمة) التي نقولها أو نكتبها أو حتى نفكر بها مجرد تفكير, هذه الكلمة التي نقولها أو نكتبها أو حتى نفكر بها مجرد تفكير هي التي تجعل البعض منا من فصيلة الزحف أرضا بين الحصى إن كانت كلمته خبيثة, أو تجعل البعض منا من فصيلة التحليق والسمو جوا عند النجوم إن كانت كلمته طيبة, بالكلمة الطيبة نرتفع للأعلى محلقين لنرى كل شيء أسفل منا, وبالكلمة الخبيثة نسقط للأسفل زاحفين لنرى كل شيء أعلى منا, بالكلمة الطيبة نرتفع للأعلى, ومع هذا الارتفاع تختفي كل معالم العنصرية والطائفية والإقليمية والمناطقية والفئوية والجهوية المختبئة في بعض النفوس ..لتبقى فقط معالم جمال الوطن واضحة.