14-04-2014 07:11 PM
سرايا - سرايا - اندثرت عشرات المهن في قطاع غزة نتيجة التطور التكنولوجي وتوفير أجهزة وماكينات أدت للاستغناء عن بعض المهن ، إلا مهنة الحلاقة التي بدأت في قديم الزمن وتطورت بتوارث هذه المهنة من يد الإباء للأبناء ، وامتهان العشرات من الشباب لهذه المهنة لقلة فرص العمل في غزة بقصات حديثة وماكينات متطورة ، محافظة على رونقها بالجيل الجديد ، حتى باتت اغلب المحلات في المنطقة الواحدة تمتهن الحلاقة.
إلا أن المواطن زكى أبو دغيم "67 عاما " ما زال يحافظ على مهنته في الحلاقة حتى ألان ، منذ أن تعلمها في سن الثامنة عشر على يد ابن عمه ، حين أبدا رغبته بان يعلمه هذه المهنة ، ثم عشقها وأتقنها وأصبحت هوايته الرسمية ومصدر رزقه ، ولشدة حبه لها كان ينادى على بعض زبائنه للحلاقة خلال نومه ، لتنبهه زوجته بعد لحظات قائلة " نام الدنيا ليل ".
في معسكر دير البلح على منطقة مطلة على شاطئ البحر ، يتنقل أبو دغيم على دراجته النارية بعد انتهاء دوامه في صالونه مع ساعات الظهيرة وتسليم الصالون لنجليه الاثنين لممارسة نفس المهنة للشباب ، ليبدأ تنقله لمنازل المواطنين الذين اتصلوا به ليحلق لهم في منازلهم بالزى الرسمي البذلة وربطة العنق ، وترافقه صفة " زكى الحلاق " أينما كان نظرا لمعرفته بدير البلح بملك الحلاقين وأقدمهم .
ويتحدث أبو دغيم عن رحلته في هذه المهنة قائلا " عملت في مهنتي منذ الستينات حتى ألان ، وكان يطلق علينا قديما اسم " المزين " واقضي يومي ليلا نهارا في هذه المهنة متنقلا بين الصالون ومنازل الزبائن ، وكانت رحلة مشقة في بدايتها حيث عملت فيها في دير البلح وقلقيلية والسعودية ثم استقريت بالعودة لصالوني ".
كرسي الحلاقة هو عنوان صحبة محبة دردشة بين الحلاق والزبون ، وقال أبو دغيم " كانت معدات الصالون سابقا هي كرسي خشبي محاط ب "قشاط " جلد لسن الموس خلال الحلاقة ، نظرا لعدم توفر شفرات الحلاقة في السنوات السابقة ،واغلب الزبائن حين يجلس على الكرسي يفصح عن أسراره خلال الحلاقة ، وكنت اعرف كل أخبار البلد من خلال الزبائن ، وكنت أمينا على أسرارهم ".
وأشار أبو دغيم إلى أن الحلاقة سابقا كانت إجبارية على الجميع ولاسيما الصغار، حيث كانوا يخضعون لحلاقة الرأس أسبوعيا، وكان سعر قص الشعر للصغار نصف قيمة الكبار. وغالبا ما يقوم بقص شعر الزبون كاملا ليبدوا بدون شعرا (أقرع)، أما البعض ألأخر فكان قصات خاصة ولكن ليس مثل هذه الأيام ,فالقصات كانت محدودة جدا .
ويحمل أبو دغيم خلال تنقله للزبائن في منازلهم عدة الحلاقة بشنطة خاصة ، بداخلها أدوات الحلاقة والموس وإناء صغير ومسن للموس والقليل من القطع القماشية وصابون لغسل الرأس سابقا ، ولكن بعد توفر أجهزة حديثة للحلاقة أصبحت شنطته تحتوى على ماكينة لحلق الشعر بالإضافة لشفرات خاصة لحلاقة الذقن .
ومنذ بداية عمله في أواسط الستينات قبل الاحتلال الاسرائيلى لغزة كان يتقاضى أجرته بالعملة المصرية ، وبعد احتلال إسرائيل لغزة بدأ يتقاضى أجرته بالعملة الإسرائيلية ، حيث كانت الأجرة بالمصرية 10 قروش وما يعادلها بالعملة الإسرائيلية بعد ذلك .
وتصادف خلال وجوده عدة مرات في منازل زبائنه دخول الجيش الاسرائيلى عليه إثناء الحلاقة ، مما دعا احد الضباط ساخرا ليطلب منه أن يحلق له ، لكنه تراجع .
وتعد أوقات الذروة لدي الحلاقين هي الفترة التي تسبق العيد بيوم أو اثنين فتشهد اكتظاظا كبيرا للزبائن الذين يتهافتون على الحلاقين بغية الاستعداد والتزين لهذه المناسبة, وقال "قبل أيام العيد كنا نستعد لهذه المناسبة قبلها بيومين من تجهيز الأدوات ,و يكون العمل طوال ساعات اليوم في النهار ، وأحيانا نبقى إلى ما بعد منتصف الليل أي عند إنهاء أخر زبون وذلك حرصا منا على إرضاء الجميع ".
وبابتسامة خفيفة قال : الكثير من زبائني يطلب منى عريس لابنته حتى ولو كان العريس يعيش في منزل الأسرة ، وأقوم بمساعدتهم بجلب عريس لابنتهم ، نظرا لاننى اعرف كل المنطقة وعمن يبحث عن عروس ، ووفقت بين أزواج كثيرون في المنطقة ".
وما زال يحافظ أبو دغيم على مهنته رغم وفاة جميع الحلاقين الذين بدأوا معه هذه المهنة في دير البلح ، ويتمتع بصحة جيدة ومحبة الجميع في المنطقة .
ورغم افتتاح العديد من محلات الحلاقة حوله إلا انه ما زال يحافظ على أوقات دوامه في العمل منذ ساعات الفجر حتى الظهيرة ، وزبائنه من كبار المنطقة.