18-04-2014 11:42 PM
سرايا - سرايا - في كتاب غير مشهور لعميد الأدب العربي طه حسين، يقول إن الشعر العربي استخدم في بعض فترات التاريخ الإسلامي سلاحا في الدعاية والدعاية المضادة فتجاوز وظيفته الأدبية ليلعب دورا شبيها بما تقوم به حاليا الصحف ووسائل الإعلام الناطقة باسم أنظمة الحكم أو الأحزاب السياسية.
ويقول أيضا في كتابه "تقليد وتجديد" الذي يضم دراسات ومحاضرات ألقاها العام 1955 "إن الشعر السياسي.. فن إسلامي خالص لم يعرفه الجاهليون لأن الجاهليين لم تكن لهم سياسة"، وإن الشعر السياسي وجد في العراق مجالا للانتشار ثم تجاوزه إلى الأقطار الأخرى في العصر الأموي.
ويضيف أن للخصومات في العراق أسبابا سياسية وعصبية؛ إذ لم تنس القبائل "جاهليتها الأولى ولم تنس ما كان بينها من الخصومات قبل الإسلام ولذلك ابتكر العراق فنونا جديدة من فنون الشعر والنثر السياسي" تشبه الكتابات التي تنشرها صحف الأحزاب والحكومات وتتناول جوانب من الصراع السياسي والحزبي.
والكتاب الذي يقع في 147 صفحة متوسطة القطع أعادت الهيئة المصرية العامة للكتاب طباعته ضمن خطتها لنشر التراث غير المشهور لطه حسين؛ حيث أصدرت أيضا طبعات جديدة لسبعة كتب هي "من أدبنا المعاصر" و"قادة الفكر" و"جنة الشوك" و"بين بين" و"صوت باريس" و"خواطر" و"جنة الحيوان".
وبدأ طه حسين (1889-1973) رحلته العلمية بالدراسة في الأزهر ثم كان أول من حصل على درجة دكتوراه تمنحها الجامعة المصرية في 1914 وسافر في العام نفسه إلى فرنسا لدراسة العلوم الاجتماعية والفلسفية ونال درجة الدكتوراه من جامعة السوربون في 1918 في الفلسفة الاجتماعية لمؤسس علم الاجتماع عبد الرحمن ابن خلدون. ثم تولى تدريس التاريخ والأدب بالجامعة المصرية في 1919 وأصبح عميدا لكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول "القاهرة الآن" في 1930.
وصدر "تقليد وتجديد" بمقدمة للكاتب السوري شكري فيصل (1918-1985) الذي يقول إن مسيرة الشعر العربي حتى بدايات القرن العشرين كانت "تقليدا من التقليد" باستثناء عصر صدر الإسلام الذي منح الشعر ألوانا ومواضيع جديدة. ويصف أسلوب طه حسين بأنه يتميز بسحر الأداء الذي ربما "يصرف القارئ عن الفكرة بتفاصيلها إلى الأسلوب الذي تعرض فيه هذه الفكرة"، مضيفا أن المواقف الفكرية لطه حسين تتعرض للنسيان أو الإهمال لأن البعض "لا يرى إلا أدبه وأسلوبه".
ويقول فيصل الذي تتلمذ على يد طه حسين وكان عضوا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة إن عميد الأدب العربي من أبرز الدعاة إلى التجديد الحضاري؛ إذ شدد على "أن انتفاعنا بالحضارة لم يتجاوز الانتفاع بآثارها المادية... ولكنها لم تصل إلى أعماق نفوسنا وتصبح جزءا منها ولم تستقر في ضمائرنا بحيث تتيح لنا أن ننشئ شعرا جديدا".
ويقول طه حسين في الكتاب إن الحجاز في القرن الهجري الأول جدد في الشعر الغزلي، لأنه كان يحيا في شيء من الترف واللهو في حين ذهب العراق مذهبا آخر في التجديد بسبب وجود نزاع سياسي وخصومات حزبية وعصبية تثار "باللسان مرة وبالسيف مرة أخرى"، وأصبح الشعر مرآة للجدل الذي تنشره صحف الأحزاب الساسية.
ويضيف قائلا "كان لكل حزب من الأحزاب السياسية شاعره أو شعراؤه وكان هؤلاء الشعراء يدافعون عن أحزابهم ويهاجمون الأحزاب الأخرى وكان الخصام يثار عنيفا... وكان الشعر هو الذي يؤدي هذه الخصومة كما كانت الصحف تفعل عندنا وكما ما تزال تفعل في بلاد كثيرة".
ويرى أن الشعر في الحجاز ظل عابثا لاهيا تطمئن إليه النفوس، أما في العراق فأصبح الشعر هجائيا "عنيفا يثير النفوس". وإلى جوار الشعر السياسي نشأ فن أدبي جديد وهو النثر "الذي يكتبه صاحبه لا لتقرأه الجماعات مجتمعة وإنما ليقرأه الأفراد حين يخلو كل واحد منهم إلى نفسه"، وكانت مصادر ذلك النثر هي القصص والمناظرات الكلامية التي تدور أمام جمع من الناس.
ويخلص من ذلك الى أن الإسلام أحدث تجديدا في الحياة العربية كما "غير كل شيء في طبيعة العقل العربي فبعد أن كان عقلا بدويا مكتفيا بحياته تلك الساذجة البسيطة... أصبحت الحياة العربية العقلية معقدة تعقيدا شديدا"، ونشأ أدب جديد يلائم هذا التعقيد الذي كانت السياسة في القلب منه وخصوصا بعد التفاعل الحضاري مع أمم غير عربية.
ويسجل أن الأدب الجديد لم يعد مقصورا على العرب وإنما شارك في إبداعه العرب والشعوب التي "أخضعوها لسلطانهم" وفي مقدمتها بلاد فارس وغيرها من الأمم التي اشتركت في تشكيل ملامح الأدب والفنون الجديدة.