28-04-2014 04:06 PM
بقلم : د. زيد محمد النوايسة
من بركات ما يسمى "بالربيع العربي" وفضائله الكثيرة للأسف!! انتشار ظواهر جديدة وغريبة على مجتمعنا، ومنها حالة التمرد غير المعهود إذ أصبح التطاول والصوت المرتفع والاستيلاء على المكاسب بغير وجه حق هو المسيطر، فانفلت كل شيء ودخلنا في حالة من انعدام الوزن القيمي والأخلاقي، تنذر –لا قدر الله- إلى مخاطر كبيرة، فما يجري مقدمات خطيرة أذا لم "يحسن" التعامل معه، ومن الجميع بحكمة وتبصر، فنحن سائرون إلى فوضى ستخلخل أركان مجتمعاتنا الذي عرف عنها الوسطية والاعتدال والتسامح والاحترام!!.
ما دعاني للكتابة في هذا الأمر، حالات التمرد والتطاول والإساءة التي يتعرض لها عاملون وموظفون في مختلف القطاعات الحكومية، ولعل أبرزها هذه الأيام ما يتعرض له الأطباء والممرضون وبناة الأجيال- المعلمون- كل يوم، فمن الواضح أن هيبة الموظف الحكومي تعرضت لانتكاسة كبيرة نتيجة للإساءة اللفظية والجسدية التي غدت جزء من المشهد اليومي في اغلب المؤسسات الحكومية، ولكنها تبدو جليةً في القطاع الصحي والتربوي!!.
ربما من المناسب التوقف عند حالات الاعتداء المتكرر التي يتعرض لها المعلمون والعاملون في القطاع التربوي، الذي يفترض أن يكون له مكانه خاصة في ذهنية المجتمع وثقافته، ذلك أن تقدير المعلم ومكانته وأهميته وحفظ كرامته وتوفير مستوى لائق من العيش الكريم هو من العناوين التي تؤشر على أننا نعيش واقعاً اجتماعيا سليم يعلي من قيمة أبناءه الذين يساهمون في بناء رفعته وتشكيل حضارته وتطوره!!.
ولعله من الأسف القول، انه في الوقت الذي تضع الأمم المتحضرة والتي قطعت شوطا متقدما في التقدم الإنساني في مختلف مناحي الحياة، مهنة التعليم والتربية في أعلى المواقع وتضفي عليها طابع القداسة والسمو، وتحرص على وضع المعلم والمدرس في مكان يليق برسالته ودوره، وفي مقدمة المهن والوظائف باعتباره صانع وملهم للنشء والأجيال، ينظر له في بلادنا نظرة مختلفة تضعه في اغلب الأحيان في مكان لا يليق معنويا وماديا، واكتملت الصورة بالتطاول الجسدي واللفظي من الطلاب وذويهم ومجتمعاتهم المحلية، فأصبحت وظيفة المعلم لا تلقى ما تستحق ممن يفترض أن ينظروا لها باحترام وتكريم كبير، بل للأسف في بعض الأحيان أصبح الأهل في معرض حثهم للأبناء على ضرورة الجد والاجتهاد حتى لا ينتهي بهم المطاف معلمي مدارس!!، ذلك أن المجتمع أصبح يعلي من قيمة وأهمية كل الوظائف على حساب مهنة تعتبر من أقدس المهن وأنبلها؟!! ألا يكفى أن رسالة السماء لسيد الخلق "سيدنا محمد" عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم ابتدأت بكلمة "أقرأ باسم ربك الذي خلق" في كتاب الله "القران الكريم"!!.
ولا نجافي الحقيقة أذا لم نعفي الإدارة الحكومية جزءً من المسؤولية فيما آل إليه حال المعلم مادياً ومعنوياً، ذلك أن أول ما تعرضت شخصية المعلم للإساءة كانت من بعض القائمين على إدارة القطاع التربوي سابقا عندما تم المس بشخصية المعلم، وهيبته ومظهره، والتقليل من دوره، بدل من ابتكارا لحلول لتطوير إمكانياته وتحسين وضعه الاقتصادي حتى لا تصبح مهنته غير جاذبة أو محطة مؤقتة للباحثين عن فرص العمل، وهذا لا يقلل من أهمية ومسؤولية الإطار النقابي الذي حصل عليه المعلمون بفعل نضالهم التاريخي وعبر أجيال للوصول إلى نقابة تدافع عن حقوقهم وتعمل على تحسين واقعهم ومستوى دخلهم المادي، ولعل من المناسب التركيز على الجانب المهني على الدخول في دهاليز السياسية وتخندق القوى السياسية ومشاريعها على حساب مصلحة المعلم وحقوقه!!.
لم يعد مقبولاً في مجتمع يشكل الطلاب والمعلمون فيه نسبة مهمة أن نسمع ونتابع كل يوم عن تعرض المعلمون للاعتداء من الطلاب وأهاليهم، أذا أصبح تردد المعلمون والطلاب على المراكز الأمنية أمر معتاداً وله أولوية على استمرار العملية التربوية في الأساس، وعلينا أن نتذكر ونذكر أيضا، أن ما وصل إليه الأردن من إمكانيات وتميز في العنصر البشري المؤهل الذي أصبح مثار أعجاب الكل في المنطقة والذي يعتبر رأسمال ومورد حقيقي، ما كان ليكون لولا الأداء التربوي المتميز والجهود الكبيرة المبذولة من المعلمون والعاملون في الحقل التربوي منذ تأسيس الدولة، بل أن كل رجال الدولة الذين تصدوا لقيادة الدولة الأردنية وعبر كل تاريخها انطلقوا في الأصل من مهنة التعليم والتدريس ونجحوا في قيادة مفاصل الإدارة العامة والمواقع السياسية والاقتصادية لاحقا.
ختاماً، اعتقد أن التوجه الحكومي الأخير بإحالة قضايا الاعتداء على القطاع التربوي إلى القضاء المدني هو أمر مقدر وفي الاتجاه الصحيح وان تأخر، بل يجب أن يترافق بإجراءات عقابية من جانب الوزارة أيضاً لكل من يتطاول على المعلم ويمس هيبته،على أن هذا الأمر لا يقلل من أن بعض الأخطاء يتحملها بعض من تسربوا لمهنة التعليم دون الإيمان بها أصلا وهم قلة على كل حال، ولعل من المهم أن يعاد النظر في ضرورة وجود نظام إداري ومالي خاص للمعلمين، يضمن لهم حياة كريمة تمكنهم من أداء رسالتهم وهم في وضع لائق، إذ لا يعقل أن يحصل موظف يحمل درجة البكالوريس في تخصص معين ويعمل في هيئة حكومية عشرة أضعاف راتب زميله الذي يعمل في حقل التعليم، ويأتي من يحاسب المعلم على انه يلجأ لعمل الإضافي!!.