28-04-2014 06:16 PM
سرايا - سرايا - بين الجبال شاهقة الارتفاع يتربع وادي سحيق على امتداد ما يزيد على 40 كيلومتر بين القدس وأريحا، وتكسو وجه المنطقة الرمال الصفراء، إلا أن المستوطنات الممتدة من القدس شرقا بدأت بتغير شكل المكان الذي يعود لآلاف السنين.
ويمتد وادي القلط بين الجبال الشرقية لمدينة القدس حتى الأطراف الغربية لمدينة أريحا، ويضم معالم أثرية تعود لمئات السنين من كهوف منحوتة في الصخور وشواهد قبور وكنيسة السان جورج للروم الأرثوذكس.
ويجذب الزائر جمال المكان وروعته رغم وعورة الطريق وطول المسير، إلا أن للاحتلال والمستوطنين آثار أقدام فيه، كما أن أحزمة الأبنية الاستيطانية المترامية على الجبال المجاورة له من ناحية القدس أوشكت على الاقتراب، لولا جغرافية المنطقة وتضاريسها.
سيطرة وشيكة
وتنتشر على قمم الجبال في الغور الفلسطيني عشرات المواقع العسكرية الإسرائيلية لضمان السيطرة على مفاصل الحركة والتنقل، بينما بدأت الكتل الاستيطانية بالتوغل داخل أراضيه رغم جباله القاحلة.
ويقول الخبير في شؤون الاستيطان عبد الهادي حنتش "منطقة وادي القلط شأنها شأن المناطق الأخرى التي تحاول سلطات الاحتلال تفريغها من سكانها وفرض وقائع على الأرض وتغيير معالم الطبيعة، والهدف تفريغ المناطق المحاذية للمستوطنات الإسرائيلية والمحيطة بمعسكرات الجيش المنتشرة في الضفة الغربية، وبالتالي سياسة ممنهجة للسيطرة عليها".
ويدعم حنتش حديثه برصد سلطات الاحتلال بداية العام 2012 قرابة 529 نقطة، أطلق عليها أسماء بؤر استيطانية ومستوطنات وهمية لا أساس لها من الوجود، وصادر لهذا الغرض أكثر من 620 ألف دونم، ويريد السيطرة على هذه المناطق خطوة بعد خطوة.
ويؤكد أن هذه الإجراءات من أجل سلخ مدينة القدس عن جسم الضفة الغربية وفرض وقائع على الأرض في المنطقة المسماة ( أ 1 ) الواقعة بين التجمع الاستيطاني معاليه أدوميم ومدينة القدس، وأن الاحتلال صادر 12400 دونم من أجل وضع كل من مستوطنة "معالية أدوميم" و"ميشور أدوميم"، و"كفار أدوميم" في بلدية واحدة وهذه المستوطنات قريبة من أريحا.
ويلفت إلى أن تجمعات أدوميم ومستوطنات غور الأردن هي جزء من الخطة الإسرائيلية للسيطرة على الشريط الحدودي وخطة "ألون" المعلن عنها منذ عام 1970 ضمن خطة الاستيلاء على مصادر المياه في منطقة القلط والمناطق المجاورة لها، لأنها تشكل نحو 30% من مصادر المياه في الضفة الغربية.
وينوه حنتش إلى أن وجود المستوطنين الدائم في منطقة وادي القلط إلى جانب المواقع العسكرية المحيطة يشكل خطرا مستقبليا على المكان.
مطامع سياحية
وينتشر العديد من التجار والباعة اليهود على مداخل الوادي لتسويق سلع ومنتجات إسرائيلية للزائرين والسياح الأجانب والفلسطينيين، كما تنشط شركات السياحة الإسرائيلية بجلب السياح من دول العالم والتعريف بالمنطقة من وجهة نظر إسرائيلية.
وفي هذا الإطار يقول حنتش عن "هناك خطة إسرائيلية للسيطرة على المناطق الأثرية وتغيير معالمها، وطمس المعالم الإسلامية والمسيحية الموجودة في المنطقة وإيهام العالم بأن هناك آثار لليهود".
ويؤكد أن ادعاء الاحتلال بوجود آثار يهودية عار عن الصحة والتاريخ يتحدث عن هذه الأمور، لكن الخطة الأخرى هي السيطرة على السوق السياحي وحرمان الفلسطينيين من استغلالها وتسويق منتجاتهم ومبيعاتهم للسياح الأجانب.
بدوره، استبعد فراس عريقات منسق وحدة مشاريع الأغوار بمكتب صائب عريقات في حديث إقدام الاحتلال على بناء وحدات استيطانية في منطقة الوادي بسبب وعورة المنطقة وانحدارها الشديد، لكنه أشار إلى إمكانية السيطرة الاقتصادية والسياحية على المكان من خلال التجار اليهود وشركات السياحة الإسرائيلية.
ويشير عريقات إلى أن الاحتلال هجَّر خلال السنوات الماضية العشرات من التجمعات البدوية من بدو الرشايدة والكعابنه وطردهم من المكان ومنع إقامة الخيام وبيوت الصفيح، كما يحظر التواجد فيها بحجة أنها منطقة عسكرية على الدوام.
ويوضح أن أبرز المواقع العسكرية في الوادي يتموضع على قمة جبل القرنطل، ما يشكل إنذارا دائما للوجود الفلسطيني في الوادي ويمنع إقامة البيوت، ما حدا بالسكان للهجرة إلى أطراف مدينة أريحا الغربية والإقامة هناك.
بينما يقول شاب من عرب الكعابنة : إن "الاحتلال يحظر على أسرته السكن في محيط الوادي، ما يحرمهم من مصادر المياه التي تنبع فيه، ويضطرون لجلب المياه من عيون بعيده أو التوجه لمدينة أريحا".
ويذكر أنه يعمل على توصيل السائحين إلى المناطق الأثرية من خلال الدواب مقابل ثمن لعدم قدرة المركبات من الوصول إليها، بينما يضطر هو لقطع مسافة طويلة إلى مكان سكناه لعدم سماح الاحتلال له بالإقامة في المكان.
وتعد كنيسة السان جورج من أشهر الكنائس في الأراضي الفلسطينية وتعود لمئات السنين، ويوجد بها جثمان محنط للراهب الذي بناها إلى جانب جماجم الرهبان الذين شاركوا في إقامتها.
ويوجد في أعلى الجبل المشرف على الوادي كهوف منحوتة في الصخر يصعب الوصول إليها موضوع عليها سلالم خشبية، قال المؤرخون إنها كانت مكان لاختباء الرهبان خشية قتلهم على يد الأعداء على خلفية الدين.