28-04-2014 11:22 PM
سرايا - سرايا - صدر قبل عدة أيام في باريس كتاب نقد أدبي باللغة الفرنسية عن دار النشر ليه فوايير دي مير للدكتورة الباحثة رابعة حَمو بعنوان المشهد الاندلسي في شعر محمود درويش «Les Voiliers de Mer».
الكاتبة والناقدة الفلسطينية رابعة حَمو من مواليد مدينة دمشق، وأصل عائلتها من مدينة يافا. حصلت د. حمو على لقب الدكتوراة من جامعة السوربون في باريس، وتعمل حاليا محاضرة للّغة العربية وآدابها في المعهد العالي للّغات والحضارات انالكو في باريس، وهي متخصصة في الأدب العربي الحديث بشكل عام والأدب الفلسطيني بشكل خاص.
وينقسم تمهيد الكتاب الى جزأين:الأول: بعنوان التطور التاريخي للشعر الفلسطيني منذ النكبة عام 1948 وحتى الانتفاضة الأولى 1987والثاني: مقدمة عن الشاعر محمود درويش.
التحليل: يتناول الكتاب تحليلا للقصائد الست لديوان أحد عشر كوكبا للشاعر محمود درويش على ضوء المنهج التّناصّي. وفي هذا السياق قسَّمت الدكتورة حمو باب التحليل الى فرعين رئيسيين: في القسم الأول تقوم د. حمو بتحليل قصائد محمود درويش في ديوانه أحد عشر كوكبا، والصادر عام 1992، بالاتّكاء على النظرية السيمولوجية وبالتالي على نظريات التناصّ النقدية المختلفة في الأدب الحديث، التي شكّلت بنهاية الستينيات من القرن الماضي المرجع الأساسي للدراسات السيميائية للشعر. ومن رواد هذه النظريات، نخص بالذكر، الناقدة البلغارية الفرنسية جوليا كرستيفا، والنقاد رولان بارت، جيرارد جانيت، ميخائيل باختين وغيرهم.
أما في القسم الثاني من الدراسة تُسلِّط د. حَمو الضوء على ‘مفهوم الهوية والغيريّة’ لشعر درويش في الديوان المذكور أعلاه، مُنوّهة الى عدة مواضيع بسياق تحليلها للقصائد، مثل علاقة التاريخ بالشعر، فقدان الأرض وصورة الهوية المفقودة، قضية المنفى والشتات وأبعادها النفسانية على الانسان الفلسطيني، صراع الأنا والآخر من خلال تصوير علاقة حب لم تكتمل بسبب تشويه المكان والزمان، التركيز على المشاعر الانسانية وتضاربها، اختلاط’الأزمنة وتداخلها ببعض، ومأساة فلسطين التي تحتل المكان الرئيسي في هذا الديوان، وكذلك سؤال الهوية العربية المُهدَّدة بالضياع في العصر الحديث.
ورؤية درويش للمستقبل هو ضياع الهوية الفلسطينية لأرض فلسطين كما ضاعت الهوية العربية والاسلامية للاندلس وضياع الهوية عند الهنود الحمر. وهذا يُذكِّرنا بالدور المهم الذي يحتله الشاعر في الشعر العربي منذ العصر الجاهلي. فقد اعتُبر الشاعر كالنبي في قبيلته والرائي لمستقبلها، ومحمود درويش ليس استثناء عن هذه القاعدة، فقيمته الادبية تشبه الى حد كبير دور اجداده الشعراء في العصر الذهبي للشعر، حيث كان الشاعر مُعبِّرا عن هويتهم مُتبصِّرا لمستقبلهم ومُبشِّرا لانتصاراتهم أو مُحذِّرا لهزائمهم.
إن أهمية هذه الدراسة الاكاديمية تنبع بالدرجة الأولى بكونها من الدراسات النقدية الأدبية النادرة، ولربما الوحيدة، في الساحة الفرنسية التي تعالج شعر محمود درويش بشكل تفصيلي ومُتشعِّب الاتجاهات. لا تعتمد د. حمو في تحليلها لقصائد درويش فقط على الادوات العلمية والتقنية المحضة، التي تستعملها بمهارة وقدرة بارزتين، انما تغوص عميقا في النصوص الشعرية وفي دهاليز المعنى المقروء والمستتر، تكشف باسهاب عن تداخل الاصوات المختلفة في القصائد، تبحث عن النص داخل النص وتشير الى أوجه التشابه، أي التفاعل النصّي، ولكن بالوقت نفسه تُخرِج النصّ ‘الدرويشي’ من لعبة التّناصّ وتشير الى صوته الخاص والمُتميز في التعبير عن الهمّ الوجودي للانسان الفلسطيني، وخصوصا في هذا الديوان، بلغة شعرية أشبه بالملاحم التراجيدية اليونانية القديمة.