30-04-2014 10:01 AM
بقلم : أ.د رشيد عبّاس
حدثنا يوما في احد الصفوف الابتدائية معلم اللغة العربية, حدثنا عن معنى الظلام في معجم المعاني الجامع وهو معجم عربي عربي, حدثنا قائلا : الظلام هو انعدام الضَّوء أو ذهاب النور أو سواد الليل, وهنا سأتحدث عن معاني أخرى للظلام, طبعا ليس خوفا من الظلام وإنما خوفا من اختفاء الألوان في الظلام, أو سرقة إشارات الاستفهام(؟) عن بعض التساؤلات الخطيرة في الظلام, أو تغيير أسماء الشهداء في الظلام, أو زراعة حبوب الفتنة في الظلام.
يقال أن العالم العربي قد باع الطاقة سابقا واشترى الظلام الآن! وبهذه التجارة الخاسرة نكون قد زدنا ظلمات الجنين الثلاث (ظلمة جدار البطن وظلمة جدار الرحم وظلمة المشيمة) زدنا هذه الظلمات ظلمة جديدا, وزدنا الظلمات التي دعا فيها يونس ربه (ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت)ظلمة جديدة أخرى, لكن لظلمات الجنين الثلاث حكمة لا يعلمها إلا الله, ولظلمات يونس عليه السلام الثلاثة حكمة أخرى لا يعلمها إلا الله أيضا, والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما حكمة ظلمة الطاقة التي حلت بعالمنا العربي هذه الأيام؟ مع العلم أن الطاقة تولد الضَّوء وتعطي النُّور وتزيل عتمة الليل وسواده.
بكل صراحة عالمنا العربي هذه الأيام يعيش انعدام الضَّوء ويعيش ذهابُ النُّور ويعيش سواد الليل, نعم يعيش ظلمة حقيقية, فأصبحنا نكتب بالظلام ونقرأ بالظلام, أصبحنا نفرح بالظلام ونحزن بالظلام, لا بل عالمنا العربي هذه الأيام يعيش ظلمة العقل وظلمة القلب, وأن ظلمة العقل وظلمة القلب أقسى من ظلمة جدار البطن وظلمة جدار الرحم وظلمة المشيمة, وأقسى من ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت.
ولكي نخرج من ظلمة العقل وظلمة القلب التي نعيشها هذه الأيام, على كل واحد منا أن يقول كما قال نبي الله يونس عليه السلام: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين, يقول ذلك مرتين مرة لظلمة العقل والأخرى لظلمة القلب, نعم لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين, ففي هذه العبارة يا تجار الطاقة, فيها التوحيد(لا إله إلا أنت(, وفيها التنزيه(سبحانك) وفيها الاستغفار والتوبة والندم(إني كنت من الظالمين), فقد أصبح لدينا في العالم العربي, تجّار للطاقة, وتجّار للربيع العربي, وأصبح لدينا تجّار للأرصفة, وتجّار لأطفال الأنابيب, وتجّار للبنات التائهات, فبعنا الطاقة, وبعنا الربيع العربي, وبعنا الأرصفة, وبعنا أطفال الأنابيب, وبعنا البنات التائهات, واشترينا دون خجل أو وجل اشترينا الظلام, وما زلنا نرقص على موسيقى الدمار, وموسيقى الخراب, نرقص على أنين دجلة والفرات, وعلى صرخات نهر العاصي, وعلى وجع نهر النيل, وما أصعب الرقص إن كان في الظلام... !