04-05-2014 01:05 PM
سرايا -
سرايا - صدرت للروائي العراقي شوقي كريم حسن رواية تحمل عنوان (خوشية) عن دار ضفاف، وهي الجزء الثاني من ثلاثية (شروكية)،فالعنوان صادم كون هذه الفئة التي يتناولها الروائي (الخوشية) ما ان تذكر حتى تتبادر الى الذهن صور اولئك الشباب الذين يشبهون (الشقاوات) الذين حفظ لهم المجتمع انهم يعتمدون سلوكيات لا تعترف بالقيم ولا التقاليد وحتى من خلال ملابسهم، وهم في الغالب من ابناء المناطق الفقيرة الذين يحاولون الانفلات او الانعتاق مما هم فيه لاظهار انفسهم بشكل مغاير، واستطاع شوقي كريم ان يصنع ابطاله من العوالم التي عاشها خلال ثمانينيات القرن الماضي
على الغلاف الاخير كتب المؤلف : (قتلت الشظايا فى دواخلنا أحلامنا الجميلة الطائعة ، فعدنا محملين بأحلام يسورها الجنون و الارتماء بين قدمى الخديعة تضعنى المرايا أمام أسئلتى الحائرة، فليس ثمة ما يملأ قلبى القلق الصدئ الرجاءات غير مرأى الدم، و ليس ثمة ما يرضى الإنسان فى أعماقى سوى استباحة هذا الوجود الذى غدا مغرما بالفجيعة، الملم أركان محبتى لأطأها عند بوابات الموت، الموت الذى أحب، و أساعد على أن يكون سيدا للبداية لا للنهاية أريده مغموسا بأمل الخلاص، فلقد ملأت القلوب الآثام ، و ليس ثمة ما يخلصها من هذا العفن سوى الموت،و لا يمكن للموت أن يجئ دونما مساعدة كريمة منى ، لابد أن نزرع حقول عقولنا بانتظار الذى يجيئ ليرى كل شئ ، و عندها لابد و أن تغنى باسمه الشفاه، فهو الذى غنت باسمه الأرواح و هفت إليه القلوب الشاعرة بالانهزام و الندم لابد و أنه سيأخذ حيفهم من أولئك الذين امتلأت كروشهم بدسم الدنانير، و تعفرت جباهم اثر السجود لأرباب الخطأ و الخطيئة ، عندها فقط يحق لى أن أبتسم؟ )
ومن اجل تسليط الضوء على الرواية، التقتنا كاتبها الروائي شوقي كريم حسن في حوار يتضمن تفاصيلها.
* مالذي تدور حوله احداث روايتك خوشية؟
- (خوشية) هي الجزء الثاني من ثلاثية (شروكية) وهي تتناول (مدينة الثورة) منذ بدايات التاسيس حيث انحدر ابناء الجنوب الى مناطق الشاكرية والميزة والعاصمة ومن ثم ترحمت عليهم السلطات لتشيد واحدا من اكبر مجمعات الفقر والجوع في العالم، تاريخ عجيب توافرت عليه هذه المدينة حيث تتغير كلما تغير حال العراق سياسيا، ونراها برغم هذه التغيرات غير المقصودة حاضنة طبيعية لكل انواع الجماليات واستطاعت ان تقدم نماذج مهمة في كل الوان الفنون والاداب، هذا الاستعراض التاريخي لهذه المدينة جعلني اتناول التاسيس والكيفيات التي كان يتعامل بها الفلاح الجنوبي مع بغداد واهاناتها المتكررة للانسان، ثم صارت المدينة المقهورة حطبا للحروب ومن خلال هذا الحطب السياسي والاجتماعي ظهرت حركة (الخوشية) وهي تشبه الشطار والعيارين في التاريخ حيث توافرت على اساسيات اخلاقية معروفة برغم عدم اتفاق المجتمع من هذه الاخلاقيات في تلك اللحظة الرهيبة، وقد انتبه النظام السابق الى هذه المجموعة ليستغلها في تصفية القوى الوطنية في مرحلة السبعينيات والثمانينيات ثم ليقوم هو بتصفيتها جسديا فيما بعد لكن هؤلاء الخوشية انتجوا قيما وافكار على غاية من الاهمية طالبت باحترام الانسان ورغباته ولكنها زرعت افكارها في غير مكانها الحقيقي،بطل الرواية شاكر عليوي، لايفهم شيء سوى الحفاظ على وجوده وتاريخه ومن يحيط به لكنه ما يلبث ان يخون تلك القيم لينتمي الى قيم اخرى يجد فيما بعد انها اكثر وحشية وشراسة برغم اعلانها على غير ذلك، الزمن المتشظي يؤسس الى تواريخ متشظية احاول متابعتها من خلال هذه الرواية في جزئها الثاني وقد اكملت الجزء الثالث واسميته (نباشون )ولهذا الاسم دلالة اجتماعية اكثر خطورة من الدلالتين الاوليتين!!.
*الا تعقد ان العنوان صادم لا سيما ان الذاكرة الشعبية تعتقده سيئا؟
- دائما اتقصد ان العب على العنوان لانني مؤمن ان العنوان هو ثريا النص كما كان يقول القاص محمود عبد الوهاب، وهذه الثريا تشكل المدخل الاساسي لعالم الرواية، هذا غير الجانب التسويقي لان العناوين المثيرة تكون سببا في التسويق وهذا ما حصل فعلا وراحت الرواية تسجل حضورها لدى المتلقي الشعبي وخاصة من اهل المدينة وحواريها وهذا ما اعده كسرا لحاجز الاحتكار الثقافي والمدخل الاشاري ليس سيئا برغم اعتقاد من لايعرف هذا التاريخ السري ان الاسم يتوافر على دلالات مشينة على العكس تماما،الخوشية تاريخ اسهم في وضع القوانين والانظمة سواء الظالمة او المظلومة !!
*ابطالك من قاع المدينة لماذا؟
- مثلي لايختار البطل الانيق المرفه الذي لايعرف غير الامكنة الخاصة ويشارك في حواريات مبهمة،انا ابن بيئة معروفة وهي التي شيدت معارفي منذ صغري ولايمكن ان اهجر تلك المعارف لانها معنى ثر سواء كانت تلك التي تنتمي الى التاريخ الجنوبي البعيد او الماضي وحروبه منذ وجود العصملية حتى الاحتلال الاخير، المشكلة ان القاع ينتج ادهاشا حقيقيا وهذا ما اكتشفه نجيب محفوظ في ثلاثيته وهذا ما عمل عليه ماركيز وكل ادباء امريكا الاتينية، القاع فكرة لدراسة المسارات الحقيقة للمجتمع وتواريخه و فسحة لدراسة المتغيرات النفسية التي تحدث نتيجة الصدمات المتلاحقة لهذا يشكل القاع ارثي القصصي والروائي والمسرحي لاثقافة حقيقية دون قاع نافر متحد يتطلب بالتغيير ولك ان تتذكر حضيض غوركي لتعرف كم هو رائع ومهم ذلك الحضيض الذي اسميته قاعا.
*هل شعرت وانت تكتب الرواية ان هناك مسكوتا عنه لا بد ان يظهر للناس؟
- ما يثير بحثي ودهشتي ويجعلني غاضبا ومتلهفا للكتابة هو هذا المسكوت عنه وهو كثير وفي جوانب متعدة ثمة مسكوت عنه في التاريخ ويصلح ان يكون نتاجا سرديا متميزا وثمة مسكوت عنه في الدين وسياقاته التنفيذية و مسكوتات في المجتمع وارثيات القص والمتغير المعرفي والمتغيرات الانسانية،كل تلك الاطمار المعرفية المسكوت عنها لابد من نبشها واعادة صياغتها جماليا وسرديا لتقدم ما يمكن ان يكون ادبا حقيقيا، وقد عملت الرواية العالمية على كل المسكوت عنه في مجتمعاتها ونجحت في ذلك ولاتزال تلك المسكوتات تشكل النبع الجميل للسرد فلم لانفكر نحن بهذه المسكوتات برغم انها في بعض الاحيان تشكل خطورة شديدة على السارد لان ثمة خطوط حمر كثيرة لايمكن تجاوزها او مناقشتها بعكس الاخر الذي فتح الابواب على مصاريعها وراح يناقش كل شيء، نحن بلد شفاهي ويمكن الافادة من المسكوت الشفاهي شريطة ان يكون هداما او منتقما او ناقدا يراد من وراءها مقاصد سياسية، عندها سينحرف السرد ويتحول الى وثائق ادانة ترضي جهات وتغضب جهات اخرى وهذا مافعله سليمان رشدي وغيره!!.
*هل اردت من خلال العنوان ان تخاطب الناس البسطاء ام النخبة كما جرت العادة؟
- الناس الفقراء منهم والاغنياء يحتاجون الى المعرفة، يحتاجون الى كشوفات قد لايعرفون عنها شيئا وان عرفوا في مجرد اشارات بسيطة والفقراء الذين انتمي اليهم بحب ورضا يحتاجون الى من يدون تلك التواريخ قبل ان تضيع وتتلاشى وهذا هو الخطأ الذي لايجب ان نرتكبه، وانا لااؤمن كثيرا بان هناك متلق من النخبة والاخر خارجها بل العكس ابناء ما يسمون انفسهم النخبة الثقافية اقل تفاعلا مع المنجز السردي بل اقول ان اغلبهم مصابون بداء العداء الى الاخر واهمال الاخر تحت اية حجه يحتجون بها، القاريء من النخبة كائن كاذب مجامل منفوخ مثل طاووس،فيما ترى القاريء البسيط الباحث متلق ممتنا ومندفعا وحقيقيا وصادقا في القول بالرفض او القبول، وهذا ما تحتاجه الثقافة السردية العراقية، لانحتاج الى مصابيح مجاملة في اماكن لايدخلها غير نفر قليل، لنذهب فعلا الى ما اسميتهم االبسطاء ولنتحاور معهم وسماع ما يرغبون وما يريدون هذا دون الاقلال من قيم الفن والجمال، علينا ان نرتقي بهذه البساطة الى غايات سامية ونبيلة وهذا ما يجب ان نفعله والا لبقيت السردية العراقية تعيش عزلتها المقيتة واكاذيبها الدعائية، السارد العراقي كائن مسكين يهمه امر جائزة من الاخر اكثر مما تهمه القراءات العراقية من الناس !
*هل يمكن اطلاق صفة (الرواية الشعبية) على روايات ولماذا؟
- منذ بدايات القص السردي، اي منذ الف ليلة وليلة والقص السردي قص شعبي لكن البرجوازية الغربية،استحوذت عليه وحولته الى ادب صالونات للاستمتاع والمؤانسة، وبرغم هذا ظل العقل الجمعي للشعب ينتج نماذج ابداعية سردية على غاية من الاهمية في جميع انحاء العالم ولسوف تبقى هذه المنتجات قائمة مادام الاستمتاع الحكائي قائما، واعتقد ان تجربة يشار كمال وعزيز يسن في تركيا مثال مهم حين تحولت ميميد الناحل من دفة الكتاب الى مروية شعبية وكذلك قصص عزيز يسن لانها اخذت من الشعب ولهذا يجب ان تعود اليه وما فعله ناظم حكمت وجه اخر للسرد الشعبي والكيفيات التي يجب ان تعامل معه، المشكلة العظيمة لدينا اننا نحاول الارتقاء بذواتنا الطاووسية لنضعها فوق الذات الجمعية وننظر الى الناس من خال منظار يصغر الاحجام ونرفض الاعتراف بالواقع، لهذا نجد هذا الانفصال الرهيب بين السارد العراقي مهما كان متمكنا والشارع المتلقي، نحتاج الى قراءات نصية تفهم السرد وتحوله الى موروث شعبي حقيقي يصبح فيما بعد جزء من الارثية الاجتماعية العامة!
*هل كسرت في الرواية تابو معينا؟
- نعم.. بهذه الثلاثية اقتحمت عوالم كانت ممنوعة وخاضعة للرقابة الشديدة، المنسيات الاجتماعية في الدين والجنس والسياسة تعاملت معها بكامل حريتي لان التعامل مع هذا الارث لايمكن ان نتعامل معه دونما حرية مطلقة، الممنوعات يجب تحطيمها لا كما يحدث الان في بعض الروايات العراقية التي تنبش عن مواضي خاصة تريد من خلالها مراضاة الاخر والعزف على قانون محبته، لابأس ان نكشف ماحدث ابان التسفير اليهودي لكن الامر لايتطلب الادانه العراقية، الكشف مهم ولكن مع مراعاة الاطراف الساردة كلها.
*هل حاولت ان تكتب شيئا من ذكرياتك في الرواية؟
- لايمكن لكاتب ان يعتمد الواقع فقط مثلما لايمكنه ان يتعلق باذيال الخيال لان الخيال لايمنح سردا متوازنا ويرتبط بالروح الانسانية، اعترف اني اميل الى الخيال كثيرا ولكنه خيال يمكن ان نسميه واقعا افتراضيا فثمة اكثر من واقع يمكن تشكيله واعادة بنائه و تحويله الى سرد على ان الجمال قادر على ان يقي الذاكرة الجمعية من متاعبها الانسانية، السرد واقع يتشكل، فيما يحاول الشعر ان يهرب من الواقع باتجاه الخيال،نعم يحاول ولكنه ما يلبث ان يعاود رضوخه، تلك هي المشكلة الكبرى، الخيال عبء سردي ان ظل احاديا ونحن نحتاج الى عوالم متعددة مقنعة!