10-05-2014 04:52 PM
بقلم : رقية القضاة
انطلقت الدعوة الإسلامية وصدع بها الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم ،وأكثراتباعه من الفقراء والمساكين ،وقليل منهم من كان يملك المال والتجارة ،ولامست هذه الدعوة بنقاءها وشفافية معتقدها ومراعاتها فطرة الانسان الذي ولد حرا كريما حسن التقويم مستقل الفكر قادرا على الابداع ،فاحست النفوس التي ارهقتها قيود العبيد وسلاسل الرق بنسائم الحرية ،واستبشرت بها العقول الحصيفة التي غطّت على نورها ظلامات الجاهلية وقيدتها بسلاسل العادات الإجتماعية الظالمة،فوجدت في هذه الرسالة العظيمة مخرجا لما تراه حلّا لشقاء الإنسانية وعتقا لها من ربقة الجهل والتخلف والامتهان
وامتدت الايدي الكريمة المقتدرة بما تقدر عليه من المال والنفقة ،تقدّمه رخيصا لدعم نبي الله صلى الله عليه وسلم في معركته مع الكفر بكل أنواعه ومظاهره ومع الفراعنة بكل معتقداتهم ،وبذلت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد كل ما تملكه من مالها لنشر دين الله ،فلم تأل جهدا في سبيل دعم نبيها وزوجها محمد صلى الله عليه وسلم طامعة بالأجر من الله تعالى ،فوقفت مالها على خدمة الإسلام واستحقت تلك البشرى التي تلقتها وهي تحتضر ،والرسول صلى الله عليه وسلم يقول لها:{يا خديجة هذا جبريل يقرئك السلام ويبشّرك ببيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب }وتقرّعينها وقد أيقنت أنه قد آن أوان القطاف لما زرعته في سبيل الله وقد ضاعفه لها ربّها وزكّاه بفضله
ويذكرهاالحبيب المصطفى ولا ينساها، ويذكر لها فضلها وقد غارت منها عائشة يوما وقد راودها طبع النساء ،وهي تظن أن الله قد ابدل الرسول صلى الله عليه وسلم خيرا من خديجة ،فيقول صلى الله عليه وسلم {والله ما أبدلني الله خيرا منها آمنت بي حين كذّبني الناس وواستني بمالها حين حرمني الناس}
وينظر الصديق حوله ،يبحث عن كل ما يمكنه الجهاد به ،فيوقف ماله ونفسه على خدمة دين الله ،فينفق يمينا وشمالا على المستضعفين الجياع، وعلى المسترقين العبيد ،يشتري هذا العبد المسلم ويعتقه ويدفع لهذا السيد المشرك المتفرعن ويعتق تلك الأمة الضعيفة ،حتى نزل الأمر على رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالهجرة ،ويلتمس الصدّيق الرفقة الشريفة ويحظى بها ،ويخرج مهاجرا إلى ربّه وقد حمل ماله كلّه، آملا أن يسهم في نشر الإسلام والإنفاق على إخوته من المهاجرين والفقراءفي مسيرتهم الجديدة في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم
ويستحق الصدّيق رضي الله عنه ان ينزّل فيه قرآنا يتلى{ * وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى }وشهادة رب العالمين بصدق نيته ونقاء سريرته ،وزكاة نفسه
وتستمر مسيرة الوقف المالي في الاسلام ابتغاء وجه الله تبارك وتعالى ،فيجهز عثمان رضي الله عنه الجيوش المجاهدة في سبيل الله ،وتتعدد مجالات الوقف فيشتري عثمان بئر رومة ويوقفها على المسلمين ريّا طيبا مريئانويوقف القوافل على فقراء المسلمين
ويستمر الصحابة رضي الله عنهم، في مسيرة العطاء الكريم وهم يطمعون فيما عند الله من أجر ولا همّ لهم إلّا نصرة الله ورسوله وانطلاق النور الرباني ليملأ الارض عدلا بعد جور وعلما بعد جهل
وتتسع دائرة الوقف الاسلامي لتشمل جميع مناحي الحياة ،وليصبح الوقف الإسلامي دليل حضارة ،وسندا داعما لمسيرة الأمة العلمية والحضارية ،ويندرج الكثير من اعمال الخير تحت مسمى الصدقة الجارية، فتبنى المشافي و البيمارستانات وينفق المقتدرون على طلبة العلم الشرعي والدنيوي المحمود، في التكايا والزواياوصحون المساجد وحلقات العلم ،والرحّالة الطالبين للحديث والفقه وسائر العلوم
وفي البيمارستان النوري بدمشق يوقف نور الدين زنكي الكتب الطبية على هذا المشفى للارتقاء بمستوى الطب ، فيما يعرف بالوقف الصحي، الذي تحتاجه الأمة اليوم بصورة واضحة في ظل غياب الابداع العلمي والتكنولوجي والطبي ،في كثير من المجالات عن ساحتنا ، بسبب انعدام التمويل والانفاق، بينما يرتحل المبدعون من اطباءنا بحثا عمن يتبنى علمهم واكتشافاتهم، فتصب افكار أبناء الامة وثمار عقولهم في بحر الغرب الذي يعيدها إلينا وفق هواه ومشيئته ،ويستنفذ خيرات الأدمغة التي اهملها أهلها، كما يستنفذ مقدرات الشعوب المسلمةبالمكر والخديعة والقتل والتشريد.
إن الوقف الاسلامي الذي ابتدأ العمل به منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم واستمرّ طوال العقود الزاهية للحضارة الإسلامية ،كان عطاء غير ممنون، قامت به قلوب مؤمنة ،ونفوس لم يعرف الشحّ إليها سبيلا، وأيد مبسوطة بالخير تنفق ولا تدري الشّمال ما أنفقته اليمين ,في حالة من حب الخير للأمة والسعي الدائب إلى رفعتها ومجدها ،وتطمح المسيرة النهضوية للامة اليوم ان تمتد الأيدي الكريمة المقتدرة فتوقف لوجه الله الوقف الصحي ،والوقف العلمي ،والوقف الطبّي ،والوقف القرآني الذي يمكّن القائمين على خدمة كتاب الله من ،تحفيظه للنشء ،وتعليمهم احكامه وآياته من اداء رسالتهم دون معوّقات ماديّة، والأمة قادرة على دفع المسيرة القرآنية والعلمية قدماباستمرارية الوقف الشرعي والفكري والحضاري كسلوك اسلامي حضاري سبّاق إلى منفعة الانسانية جمعاءبإذن الله