12-05-2014 10:13 AM
بقلم : الدكتور طارق أحمد عمرو
الأمة العربية الاسلامية حقيقة واقعة، بصرف النظر عن حالات ضعفها وظروف انحطاطها الحالية عن ركب الأمم الأخرى؛ فالأمم تمر بأطوار مختلفة من القوة والضعف، والرفعة والضعة الا أنها لا تموت ما دامت تمتلك عناصر قوتها وحياتها واستمرارها؛ وأتحدث هنا عن عنصر مهم جدا من عناصر ديمومة الأمة ووحدتها واستمرارها، وهو عنصر (اللغة).
الأمة العربية الاسلامية تشترك في لسان عربي مبين، هو حاضنة فكرية لكتابها الخالد (القرآن الكريم)، ولقد تكفل الله تعالى بحفظ هذا الكتا بقوله تعالى:"انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون"، وحفظ القرآن الكريم يستلزم تبعا حفظ اللغة التي جاء بها القرآن الكريم، وهي العربية؛ فاللغة العربية محفوظة دائمة مستمرة بدوام حفظ وديمومة واستمرار القرآن الكريم.
وعليه؛ تبقى هذه اللغة عاملا رئيسيا من عوامل توحيد الأمة، بوحدة لغة تخاطبها ووسيلة تواصلها الفكري والمعرفي، رغم تعدد لهجاتها الذي هو سمة تغير المكان – حتى على مستوى القطر العربي الواحد – فهو لا يعني اختلاف اللسان. وهنا نجد أن هذه اللغة قد استوعبت عموم العناصر المكونة للمسلمين، بصرف النظر عن قومياتهم؛ فالعربي هو كل من تكلم باللغة العربية ولو كان من غير العرب أصلا ومحتدا، يدلل على هذا أن معظم علماء ومفكري الأمة من محدثين ومفسرين وفقهاء ودعاة وقادة الى وقت قريب كانوا من أصول غير عربية، لكنهم أبدعوا لثقافة الأمة واجتهدوا لحضارتها واستبسلوا في تشييد بنيانها والدفاع عن أركانها؛ فكان منهم: البخاري، ومسلم، والترمذي، والطبري، وأبو حنيفة، والغزالي، وابن تيمية، وصلاح الدين الأيوبي وهؤلاء من غير العرب أصلا ومنبتا، لكنهم انصهروا في ثقافة الأمة وتكلموا بلسانها واستوعبوه؛ لعلمهم أن فهم الاسلام،و الاجتهاد لاستنباط أحكامه، ونشر دعوته، يستلزم تعلم اللغة العربية لتصبح لغة رئيسية للمسلم.
لقد دخل المسلمون من غير العرب في اللغة العربية (أفواجا)، تعلما واتقانا وخطابا، كما دخلوا من قبل في الاسلام (أفواجا)؛ لأن اللغة العربية لا تنفصل عن الدين الاسلامي، فاتحد البعد العقدي التشريعي للأمة مع البعد الفكري الثقافي، فاللغة العربية وعاء فكري حضاري، يحتضن بين جنباته الدين الاسلامي، ومن خلاله يتم التعبير عن حقائقه وتشريعاته وأخلاقياته.
اللغة العربية هي عنوان اجتماع على الاسلام ثقافة وحضارة، وهي قاسم مشترك بين عناصر الأمة شعوبا وقبائل واثنيات وقوميات؛ ولذا فالأمل معقود على ضرورة الاهتمام بالعربية، تدريسا، وتخاطبا، وكتابة، وتأليفا، في المدرسة والجامعة والعمل ووسائل الاعلام وصولا الى ميثاق شرف مشترك تتعاهد فيه الشعوب قبل الأنظمة على استخدام لسانها العربي الفصيح بديلا عن لهجاتها المحلية.
نعم، تتوفر الأمة العربية الاسلامية على عامل توحيد لغوي لا يوجد عند أمم توحدت رغم اختلاف لسانها بين لغات متعددة ولهجات محلية كثيرة (أوروبا، الكومنولث، أمريكا اللاتينية)، اختلفت في اللغات لكن توحدت على السياسات، لذا حري بأبناء الأمة التنبه لعامل اللغة الموحد – بكسر الحاء وتشديدها – للأمة فهو عنصر قوة يضاف الى العناصر الأخرى والتي نتناولها في مقال أخر مستقل بعون الله تعالى.
email:tareqamr@yahoo.com