17-05-2014 09:59 AM
بقلم : د. زيد سعد ابو جسار
سؤال يتردد على ذهن العديد من الناس لماذا الكفار أحسن حال من المؤمنين, أمر طبيعي أن يسال عن ذلك من يظن أن الإنسان بمجرد أن يتسمى بالإسلام أو يرثه يصبح مسلما , وخاصة عندما يؤيد هذا الفكر ممن ينسبون أنفسهم إلى علم التوحيد والدين , مثلهم مثل اللذين أجابوا على هذا السؤال بان الكفار لهم عذاب الآخرة وان المؤمنون لهم عذاب الدنيا ..
من المعلوم أن بداية الكتاب الكريم قد تناولت أصناف الناس في هذه الحياة فمنهم المؤمن والكافر والمنافق, فالمؤمن هو من اهتدى بكتاب الله تعالى واتخذه منهاج حياة ,والكافر هو من صدق لسانه ما أكنه قلبه فكان عقابه أن ختم الله تعالى على قلبه وسمعه وعلى بصره غشاوة حتى يحرم من خير ونعم الهداية التي خص بها الله تعالى المؤمنون ,أما المنافق فقد أطال الله تعالى في وصفه وصفاته إنسان كاذب جبان يخشى الجميع ,مخادع خائن, و ليس له عهد, وقد ضرب الله تعالى الأمثلة العديدة عليه,ليحذر الإنسان المؤمن من النفاق ....
عندما نتدبر التوحيد في كتاب الله وتعاليمه وأمره ونهيه والحكمة من التوحيد والتشريع في حياة الناس ,وحال الأمة سنجد أن الفئة المؤمنة هي من ضعاف الإيمان اللذين ينكرون منكر أعمال وأقوال الناس بقلوبهم لهذا فقد استفحل البطل ونمى فالباطل اضعف من أن يقابل الحق وأهله الذين يحرسونه بأيديهم وألسنتهم .....
في غياب الفئة المؤمنة القوية يبقى ممن ذكرهم الله تعالى في بداية كتابه الكريم الكفار والمنافقون ,وللعلم فان الكافر يعلن عن كفره ويناضل من اجله بينما المنافق اضعف من أن يعلن كفره ,لهذا فقد ظهر النفاق مع بداية تكوين الدولة الإسلامية وقوتها في المدينة المنورة,بينما لم يكن في العهد المكي ,وهذا القاعدة تنطبق على كل زمان وظرف كما في أيامنا هذه التي ضعف فيها الإيمان إذ أصبح المنافق يظهر كفره ويعلن عن نفسه ,مثال على ذلك ظهور عبدة الشياطين , فالمنافق لا يكون إلا تابعا لملة الكفر وجند من جنوده في كل زمان ومكان,ولهذا فقد صنف بأسفل خلق الله في الدنيا والآخرة......
مما ذكر فان النفاق هو العدو الأول والأخطر على الإنسان ,وعلى حياته ,فصفات النفاق الكذب وخيانة الأمانة والعهد فهذه الصفات تشمل كل ما يدمر حياة الإنسان من الكلمة إلى الفعل ,فغياب العدل والواسطة وإهمال تربية الأبناء والغش والفساد وانتشار الفاحشة والكذب كل ذلك ينافي الإيمان ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ )....
لهذا فان النفاق له عدة مداخل على الإنسان.
*.. فمن النفاق ما هو مقصود , وذلك عند موالاة الكفار وموالاة من يواليهم طمعا وخوفا مهما كلف الثمن حتى لو كان على حساب العقيدة .
*..ومنه أي النفاق جهلا لما يعنيه الكذب والخيانة ونقض العهود في مفهومها الواسع الذي يشمل كل أمور الحياة ,لهذا خاف حتى الصحابة على أنفسهم من النفاق لدرجة إن الفاروق رضي الله تعالى عته يسال أمين سر رسول الله (يا حذيفة استحلفك بالله هل ذكرت مع المنافقين الذي أخبرك بهم رسول الله) قال الحسن البصري: النفاق اختلاف السر والعلانية، والقول والعمل ,فالمؤمن لا بد أن يخاف على نفسه من النفاق وكل خصلة من خصاله ,فالمؤمن القوي أفضل من المؤمن الضعيف ,ومن امن من النفاق وقع به.
*.. ومنه نتيجة التضليل من خلال مدعين علم الدين جهلا منهم بالإيمان وسننه ونعمه, أو طمعا أمثال علماء السلاطين,فكثير من هؤلاء صوروا واختصروا الإيمان بالعبادات فقط ,ومنهم من البس على الناس معنى الزهد وعن معناه الصحيح الذي يعني العفة عن الحرام والتمتع بالحلال وإظهار نعمة الله تعالى عليه ,وكما هو الحال في الإجابة على سؤال السائلين,أن المؤمن له عذاب الدنيا والكافر له عذاب الآخرة,فأين هذا العالم عن تاريخ بداية الإسلام وفتوحاته ,وأين هذا العالم عن عزة المؤمن وكرامته من خلال التوحيد والدين , وأين هذا العالم عن عذاب الكفار من عهد نوح إلى عهد موسى وعيسى عليهم صلوات من الله تعالى وسلامه ,فإذا كان ابتلاء الله للمؤمن بشيء من الخوف فان الكافر والمنافق حياته كلها خوف وعليه يقاس كل ابتلاء ,أن الواقع الذي نعيشه بعيد كل البعد عن الإيمان وما وعد الله تعالى المؤمنين وما خصهم برحيم رحمته ,كما إننا بعيدين كل البعد عن سنن الله تعالى الدنيوية التي ينالها من عمل بها رحمة من الرحمن تعالى للناس أجمعين , فلا يمكن أن نحكم على واقعنا الذي نعيشه كوننا مؤمنين,حتى لا ننفر انفسنا والآخرين من هذا الدين......
قال تعالى( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض).. ق(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ )