20-05-2014 12:12 AM
سرايا - سرايا - بمناسبة مرور «66» عاما على النكبة الفلسطينية و«35» عاما على استشهاد الشاعر الروائي علي فودة شارك كتاب الاردن برصد وتقديم تجربة فودة الشعرية والروائية، من خلال دراسات قدموها في كتاب حمل عنوان «علي فودة.. شاعر الثورة والحياة» تقديم وتحرير: نضال القاسم، سليم النجار، ومن إصدار «الآن ناشرون وموزعون» -عمان.
احتوى الكتاب على العديد من الدراسات الجريئة إذ قدم المحرران مفتتح النصوص النقدية، وتتصف تجربة علي فودة بالعمق والدلالة والإيجاز، وبعشقه للغة في عنادها وتمردها وتوترها، وكَلَفه بالمكابدة في مختلف ألوانها في أفق توليد المعاني.
وقدم الأستاذ الدكتور عز الدين مناصرة إضاءة إذ قال: شخصيةٌ ثقافية بسيطة، عفوية، مليئة بالطيبة، تعشق الصعلكة والعبثية أحيانا.
وضمن هذا السياق يؤكد الدكتور صالح الشطي في دراسته النقدية التي حملت عنوان «أيقونة فلسطين»: علي فودة الذي تحوّل إلى قصيدة كُتبت كلماتها بنزف الشرايين، ومرارة التشرد على امتداد الخندق الممتد من الماء إلى الماء؛ لطالما صدح بلبلا غِرّيدا بألحان الشوق في المنافي والفيافي.
ويبقى السؤال الحاضر: هل الإبداع لا يعني شيئا متى لم يبرز في شكل أثر يجسد عظمة الفكر الخلاق ويعطي القيمة القصوى للجهد الذي يعمل على خلق الآثار الفنية؟ الدكتور عبد الرحيم مراشدة، أجاب عن هذا التساؤل في دراسته النقدية التي عنوانها الخطاب الروائي والمثقف في رواية «الفلسطيني الطيب»: ليس هناك من نصٍّ بريء، هذا ما يمكن قوله بعد قراءة هذه الرواية، ويصدق هذا القول على النص باعتباره رسالة موجهة من الكاتب إلى القارئ؛ وعلى اعتبار أن كل نص يحمل في ثناياه واستراتيجيات تكوينه خطابا معينا ينعكس من خلال وجهة نظر النص، تلك الوجهة التي تذوب فيها مرجعيات الكاتب وثقافته، وانتماءاته الفكرية والعقائدية.
في المضمار ذاته يمكن أن نفترض وجود نوع خاص من المواقف في الشعر، يمكن تسميتها بالمواقف الملتزمة جماليا، هكذا يمكن تمييز الشعر عن الأنواع الأخرى للمواقف والتحريض.
إن السؤال الآتي: ما الذي يجعل الكتّاب يتفقون في إعجابهم بفودة، رغم اختلافهم معه؟ الدكتورة ثناء عياش من خلال دراسة قدمتها بعنوان «المفارقة في «ثلاث قصائد على هامش حزيران»» تحاول الاجابة عليه قائلة: المفارقة من السمات الجوهرية للأدب-كما يقول ميوميك- لذا؛ قلما خلا أدب عصر من العصور من التعبير بنمطٍ من أنماطها، وان اختلفت درجة ظهورها، وتضيف عياش، قائلة: والمفارقة تتيح للمتفنن أن يتستّر وراءها ليبوح بما يريد قوله، تاركا للقارئ استكناه النص وفهم مراده.
بينما يرى الدكتور إبراهيم خليل موقفا آخر، راصدا التجربة من زاوية مختلفة، إذ يقول: لا جدال في أن الشاعر الشهيد علي فودة عندما أصدر مجموعته الأولى «فلسطيني كحدّ السيف»، قد استفاد من الموجة العارمة التي أغرقت السوق بشعر المقاومة، ويضيف خليل موضحا: وشعر الثورة وشعر الفداء والنضال المسلح، وجاء العنوان المذكور علامةً بارزة تؤكد مسيرَهُ في هذا الطريق.
غير أن سامح المحاريق الذي يختتم بمقالته كتاب علي فودة.. شاعر الثورة والحيــــــاة طارقا بـــــاب الصعـــــلكة عــــند فودة مستــــشهدا بتراثنا العربي قائلا: الشنفرى اتخــــــذ موقف التصــــعلك الفاعل والمتــــحرك؛ فالتصعلك مـــــعه لم يكن مجرد فعل اعتزالي، ولكنّه كان فعلا للخروج بالمعنى المتعالق مــــــع تجربة الخوارج بعد ذلك، رابطا الــــــمحاريق تجربة الشنفرى، بفودة، مسترســــــلا: عـــــلي فودة شاعــــــر صعلوك وفـــق المــــفهوم الحداثي الاحتفائي بالصعلكة والمدهش.
جاء الكتاب في 281 صفحة من القطع المتوسط، وشارك فيه ثلاثة وعشرون كاتبا من الأردن، يحتفون بهذا الشاعر المتمرد علي فودة.
وحتى الآن أعود من حين لآخر لقراءة قصيدة «إني اخترتك يا وطني»، أقرأها بالمتعة نفسها التي قرأتها بها في الثمانينيات من القرن الماضي، ولا أستطيع أن أتخيل أن ذلك الشاعر العاشق هو نفسه الذي شوهد في شوارع عمان باحثا عن كتاب جديد أو سندويشة فلافل يطفئ بها جوعه، بالنسبة لنا نحن عشاق الشعر، والمرضى بجرثومته فإن القراءة بلا علي فودة تبدو ناقصة كثيرا.