20-05-2014 01:59 PM
بقلم : د. زيد محمد النوايسة
قرأت في تاريخ الشعوب وثقافاتها الغذائية فلم أجد شعبا يفرد مساحة مهمة من الاعتزاز بالوجبة الفلكلورية الرئيسية كاعتزازنا بالطبق الأردني الأشهر "المنسف"، ولقد تجاوز الأمر باعتباره وجبة فلكلورية إلى حدود إضفاء طابعاً من القدسية والرمزية تستدعي في اغلب الأحيان إطلاق مزيداً من العيارات النارية والزغاريد والتحية العسكرية إجلالا وإكبارا وتقديراً لمكانته عند تقديمه، وكأننا نودع شهيد، بل أن البعض يعتبر مجرد الغمز من قناة "المنسف" حتى ولو كان من خلال الإشارة إلى أضرار الدهون والكلسترول ومظاهر البذخ والإسراف هو مساً بالسيادة والهوية الوطنية لا يمكن القبول به أو التهاون فيه ويجب تأنيب كل من يتجرأ ويتطاول على هذا المكون الملازم للشخصية الوطنية!!.
لن أهاجم المنسف أو انتقده أو أقول فيه ما لايمكن قوله أو قبوله ولكن ما دعاني للحديث في هذا الأمر هو أنه أصبح مدخلاً لتمرير الكثير من القضايا الخلافية وربما الصفقات السياسية والاقتصادية، ونظرية عفا الله عما سلف، ورد الاعتبار بأثر رجعي للعديد ممن قال الناس فيهم كلمتهم منذ زمن بعيد، ولا بأس من أن نذكر بأن السماحة الأردنية والخلق الطيب والتواصل الاجتماعي بين الناس هو مما نعتز فيه في مجتمعنا الأردني الأصيل الوفي والنبيل الذي تحكمه دائما منظومة قيمية وأخلاقية وإنسانية تميزه ايجابياً عن غيره في المحيط الجغرافي وهي من ركائز الاستقرار الوطني وعناوينه، ولكن فيما لا يخدش ذاكرة الناس التي يبدو أنها أصبحت قصيرة جداً!!.
تابعت ما يدور هذه الأيام على المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي من حوارات حول قيام بعض الشخصيات السياسية السابقة من التواصل مع مختلف الفئات المجتمعية وتلقي دعوات لحضور ولائم شعبية يتخللها الإشادة والثناء والحنين لمرحلة تولي تلك الشخصية مقاليد الحكم!!، وكأن عصر حكمها كان ذهبياً ومميزاً ولم يشهد بواكير الاحتجاج الاجتماعي؟!!، واللافت للانتباه أن الأخبار المتواترة تفيد بان الكثير من المواطنين ما زالوا ينتظرون تحديد موعد مناسب بل أن الكثير يتوسط وبإلحاح متوسلاً لقبول دعوته لعله يكفر عن خطيئة ارتكبت دون قصد فيدفع ثمنها بأثر مستقبلي لا سيما أن الحديث عن العودة وبقوة هي السائدة.
والحقيقة أن الأمر موضع خلاف وفيه كلام كثير يقال، فمن الطبيعي لأي إنسان سواء كان سياسيا أو خلاف ذلك أن يعزز من تواجده وتواصله الاجتماعي مع الناس وهذا أمر محمود ويستحق الثناء عليه، ولكن السؤال الكبير على أي أرضية أو قناعه سياسية يكون هذا التواجد والتواصل؟!! وهل هناك متسع من الوقت لدى الناس لقبول التجربة مرة أخرى لأي زعيم سياسي أو طامح بالعودة مع احترامنا لحقه كما حق غيره بالعودة للمواقع السياسية، أفلا يوجد في الأردن آلية مقنعه غير تلك الآلية؟!!،ومع ذلك يمكن أن نقنع أنفسنا بأنه لا بأس من قبول عودتهم ولكن شريطة أن لا يكون الهدف الأساسي والأسمى هو العودة للأضواء برافعه وقاعدة شعبية واسعة وعريضة، إذ يبدو أن كثير من رجال النخبة السياسية لا يقبلون البقاء في الظل ولو مؤقتاً!!، وما على الناس ألا أن يتحملوا نتائج تجربتهم الجديدة في الحكم وإدارة الملفات السياسية والاقتصادية، ولكن دون أن يعترضوا فالعودة هنا هي استجابة لرغباتهم وتمنياتهم!!.
ختاماً، اعتقد انه في زمن التحولات نحو الديمقراطية الحقيقة وإعادة الاعتبار لإرادة الناس ولصيغ التمثيل الحقيقية وليس الصيغ المظهرية، لا أخال أن المنسف وثقافته قادرة على الوقوف أمام متغيرات العصر ومنطق الحياة الذي يستوجب الاحتكام للديمقراطية التي تمثل الناس من خلال مؤسساتهم التشريعه التي ينتجها قانون انتخاب حقيقي علية إجماع وطني أو على الأقل توافق وطني، وعلى أهلنا الطيبين أن يهتموا بصحتهم من باب أولى باعتبار أن الدهون قد تتسبب في انسداد الشرايين وارتفاع الذبحات القلبية والوطنية أيضا، ولا بأس أن نذكرهم بأن الظرف الاقتصادي للدولة يدعوا للاقتصاد والابتعاد عن مظاهر الإسراف واعتقد أننا جميعا نستمع لنصائح دولة الرئيس المتكررة بضرورة ضبط الإنفاق!!.