22-05-2014 03:53 PM
بقلم :
من أجمل المعاني التي تنمي الحس الوطني ، وتبعث على الشعور بقيمة الوطن ، وتنعش الإحساس بحب الوطن كما تنعش القهوة العربية الحياة اليومية صباح محبيها حيث يبدءون صباحهم برشفة منها تشعرهم بالمتعة ولذة مذاقها في عادة يصعب مفارقتها وتركها ، إنه معنى الاستقلال ،هذا المعنى الذي يتوق إليه كل بني الإنسان من عشاق الحرية والكرامة بما فطروا عليه من هذه المعاني التي يولد عليها جميع بني البشر، ينشدون أناشيدها بتذوق يبدأ مع طفولتهم مع ما فيها من البراءة وسلامة الفطرة ، يرددونها بكل عفوية وصدق ، خالية من كل صور التكلف ، تنطق بها ألسنتهم وجوارحهم ، تدل عليها قسمات وجوههم ، وعبرات عيونهم ، وحركات أجسادهم كأنهم طيور تشدو على الأغصان في ربيع تكسوه الخضرة والنظارة يسر الناظرين .
ومع أهمية قيمة حب الوطن باعتباره قيمة وطنية ينبغي أن يتم الحرص على تنميتها من خلال المؤسسات الوطنية المسؤولة عن بناء الإنسان وتكوينه وإعداده مثل المؤسسات التعليمية والإعلامية ، ومؤسسات دور العبادة ، والمؤسسات الثقافية والتربوية والفكرية إلا أن السؤال المهم في ذكرى الاستقلال التي تمر هذا العام هو كيف لنا أن نحافظ على استقلالنا في ظل حالة العجز العربي في عالم متغير لا يحترم إلا الأقوياء ؟ وهذا السؤال اطرحه كوني أرى فتوراً في قيمة حب الوطن من الجيل الجديد من الشباب ممن لم يتذوقوا طعم الوطنية في ظل تأثرهم بالعولمة ، وفي غياب التأثير الحقيقي لدور مؤسسات المجتمع المعنية ببناء الحس الوطني المنشود ، ولا أقول ذلك جزافاً فإن هناك عشرات الشواهد من الواقع التي تشير إلى ضعف الحس الوطني كحالة العبث بالممتلكات العامة وتخريبها ، وحالة الأنانية وحب الذات المقدمة على المصالح العامة ، وتراجع قيم العمل التي تصب في خدمة الوطن ، وعدم الإقبال على العمل بحجة ثقافة العيب ، وظهور النزعات الطائفية والحزبية والفئوية والجهوية والمناطقية التي تفرق ولا تجمع ، وتمزق النسيج الوطني ، إضافة إلى ما يعانيه الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي من ثغرات تشكل واقعاً لا نحسد عليه في هذه الفترة من تاريخ الوطن .
والحقيقة التي يجب أن لا تغيب عن أذهاننا لحظة واحدة هي أن المحافظة على حالة الاستقلال الحقيقي تتطلب إعادة النظر في مجمل واقعنا بصورة عملية بعيداً عن الشعارات والخطب والأماني والأحلام بدء من بناء اللحمة الوطنية على أساس منظومة العدالة والنزاهة ومبدأ سيادة القانون ، والانتباه إلى الأمن الغذائي والاجتماعي والعسكري والثقافي الذي يشكل خط الدفاع الأول عن معنى الاستقلال ، فحقيقة استقلال القرار وسيادة الدول تكمن في هذه الأمور ، وإن الدول الراشدة هي التي تنتج حاجتها من الغذاء والسلاح ، وتحمي أمنها الاجتماعي والثقافي وحدودها بهذا الخيار الاستراتيجي الذي لا يقبل المساومة أو التنازل .
وإن نظرة جادة إلى ما نعانيه من خلل على مختلف الصعد مع غياب الأفق الواضح لمعالجة هذا الخلل يجعل المرء يتخوف من المستقبل ويدعو عقلاء القوم أن يتنبهوا إلى خطورة ترك الحبل على الغارب للتحديات العديدة دون معالجات جذرية تأخذ بعين الاعتبار مصلحة الوطن العامة قبل مصلحة النخب ، وعلينا أن نتعلم مما يجري حولنا من تغيرات ومتغيرات ، ولسنا بمنأى عن ريحها وغبارها ، وإن حماية الاستقلال تكون بالعمل الجاد والانتماء الحقيقي حماية لمنجزات الوطن ومقدراته سائلا المولى أن يجنبنا كل مكروه .