24-05-2014 08:36 AM
سرايا - سرايا - ظفر عثمان رضي الله عنه بأمرين عظيمين غيّرا مجرى حياته الشخصية والروحية، ولما تكن الدعوة الإسلامية الكبرى قد بلغت عامها الأول بعد: إسلامه على يد النبي صلى الله عليه وسلم بحضور أبي بكر رضي الله عنه، وزواجه من رقية ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعيد ذلك بقليل . ما أتاح له دخول دار النبي وتنسم أخبار الدعوة وهي تشق طريقها إلى صدور الرجال .
ونقمت قريش على عثمان لأنه كان أول أموي اعتناقاً للإسلام، ولأنه تزوج من ابنة صاحب الدعوة الإسلامية السمحة، الذي أبطلت دعوته عبادة الأوثان .
وظنت به قريش وظن بها رضي الله عنه . فترك مكة المكرمة وهاجر إلى الحبشة مع زوجه رقية، فكان أول المهاجرين إليها .
ثم كتب الله تعالى له هجرته الثانية إلى المدينة لاحقاً بالنبيّ المهاجر الأول، فكان صاحب الهجرتين بامتياز . وكان سعيداً منذ ذلك الحين بلزوم النبي في داره وكتمان أسراره . غير أن ما كان ينغص عيشه هو مرض رقية بالحصبة، فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم بالتخلف عن “بدر” للعناية بها . وماتت يوم ورد البشير إلى المدينة بنصر المسلمين في هذه الواقعة التاريخية وهزيمة قريش .
تجديد المصاهرة
حزن عثمان رضي الله عنه لموت رقية حزناً لم يبلغه إنسان . إذ أدرك أثر انقطاع صلة المصاهرة بينه وبين النبي محمد صلى الله عليه وسلم . وقد لاحظ رسول الله علامات الترمل بادية عليه كما لم تبد على غيره من الرجال، في مجتمع يحفظ للرجال حقهم في تعدد الزوجات ، فسأله عن حاله: “مالي أراك مهموماً؟” فقال عثمان رضي الله عنه في ما رواه سعيد بن المسيب: “وهل دخل على أحد ما دخل عليّ يا رسول الله؟ ماتت ابنة رسول الله التي كانت عندي .
وانقطع ظهري . وانقطع الصهر بيني وبينك”: فأكرمه النبيّ صلى الله عليه وسلم كما لم يكرم أحداً غيره .
فوصل ما انقطع من الصهر من جديد، وجدّده بتزويجه أختها أم كلثوم . فكان ذلك فارقاً في شخصيته الإسلامية .
وعاد عثمان بذلك يلزم بيت النبي ويصون أسراره، ولقب منذ ذلك الحين بذي النورين، إذ “لم يعلم أن أحداً تزوج ابنتي نبيّ غيره”، كما ذكر أصحاب السير . وهناك من يقول إنه سمي بذي النورين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال عنه : “ فيه نور أهل السماء ومصباح أهل الأرض” وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم إن عثمان يختم القرآن كل ليلة في صلاته فقال: “القرآن نور وقيام الليل نور . وعثمان ذو النورين” .
وكان عثمان رضي الله عنه أكثر رجال الصحابة لزوماً لبيت النبي صلى الله عليه وسلم، فمنذ اليوم الذي بايع فيه النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام، لزم الرسول حيث يكون . ولم يكن ليفارقه إلا بإذنه: للهجرة أو للسفر الذي يندبه إليه .
وقد ألجأه ذلك إلى ترك تجارته الواسعة لمن يتولاها عنه ممن يثق بهم من الوكلاء أو الأصدقاء . وكان لشدة لزومه النبي صلى الله عليه وسلم ولزوم بيته بصلة الصهر أنه جعل بيته بيتاً لمال المسلمين، وذلك قبل أن يكون لدولة المدينة في الحقبة النبوية بيت مال . وما كان عثمان رضي الله عنه ليتأخر عن مد النبي بماله في حالتي السلم والحرب .
وكان سيدنا عثمان رضي الله عنه يؤمن الماء للمهاجرين من ماله الخاص، وكفل وحده ثلث نفقات غزوة تبوك، وتبرع للمجاهدين بالمطايا والأطعمة، وجاء بألف دينار في كمه ونثرها في حجر الرسول صلى الله عليه وسلم وكرر ذلك عدة مرات على ما جاء في “جمهرة الأخبار” . وكذلك اشترى أرضاً ليزيد في بناء المسجد، بذل فيها عشرين ألف درهم . ولم يقصر عن معونة يستطيعها في عسرة أو مجاعة، حتى إن ما بذله عثمان رضي الله عنه في سبيل الإسلام والمسلمين من المال وحده، لم يضارعه فيه أحد .
منزلة رفيعة
لقد كان لعثمان رضي الله عنه بين الصحابة منزلة من منازل الفخر يعتد بها، وهي منزلة الرضا من رسول الله إلى يوم وفاته .
وكان من الكلمات الجارية على الألسنة في معرض الثناء على عثمان رضي الله عنه أن يقال عنه إنه ممن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض . وهذه المنزلة التي حققها عثمان رضي الله عنه كانت من مفاخره التي يذكرها، ويذكرها له من يحمده .
وهذا ما جعله يحظى بثقة الصحابة ويغبطونه على الثقة التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه .
ومن أبرز المهام التي أوكلها النبي صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بالإضافة إلى سفارته، تكليفه بكتابة الوحي عند نزوله، وكان عليه الصلاة والسلام يقول له متحبباً وهو يملي عليه الوحي: “اكتب يا عثيم” وقد استخلفه على المدينة أثناء غزوته في ذات الرقاع .
وكذلك أرسله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن سفيراً مستطلعاً، حتى آلت إمارتها إلى علي رضي الله عنه . وهناك من المؤرخين من يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم سلّمَ عثمان رضي الله عنه أمانة السر أو الكتابة الخاصة . وهي أمانة تقدم بها عثمان على جميع الكتبة بين يدي رسول الله، وذلك لشدة وثوق الرسول بصدقه وكياسته وشدة أمانته لما يؤتمن عليه من رسالة أو سفارة،
حتى إنه كان موضع سره في مرضه عليه الصلاة والسلام .