26-05-2014 10:55 AM
سرايا - سرايا - قال الله تعالى فى أول سورة الإسراء: “سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ”.. ففى رحلة الإسراء والمعراج رحلة العطايا الربانيه أراد الله سبحانه أن يُرِى نبيه من آياته ويكشف له عن ملكوته ويطلعه على الغيب المحجوب من أسرار الكون وعالم ما وراء الطبيعة.
كان ذلك بجسده الشريف وروحه الأطهر
والمراد بالإسراء توجه النبى محمد صلى الله عليه وسلم ليلا من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى بيت المقدس “المسجد الأقصى” بفلسطين المقدسة، والمراد بالمعراج صعوده صلى الله عليه وسلم من المسجد الأقصى إلى الملأ الأعلى إلى سدرة المنتهى، وكان ذلك بجسده الشريف وروحه الأطهر.
وجرت حادثة الإسراء والمعراج فى منتصف فترة رسالة الإسلام ما بين السنة الحادية عشرة إلى السنة الثانية عشرة، منذ أعلن النبى محمد صلى الله عليه وسلم أن الله قد أرسل جبريل يكلفه برسالة دينية يبلغها إلى البشرية جمعاء، وأنها تتمة وخاتمة لرسالات السماء السابقة.
وهذه الرحلة التى خص بها الله سبحانه وتعالى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم جاءت لتحقيق غاية، فقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يُرى من آياته ما شاءه لعبده، فكانت رحله مخففه عن نبيه بعد أن فقد أعظم نصيرين له “خديجة”، رضى الله عنها، وعمه “أبى طالب”، وكانت رحلة تشريعية أيضا، فرضت فيها الصلاة خمسًا فى اليوم والليلة، بثواب خمسين صلاة، وكانت رحلة يقينية عرفانية، رأى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زاده يقينًا وهدى ومعرفة وعلمًا بقدرة الله وآيات عظمته.
سدرة المنتهى
كان النبى صلى الله عليه وسلم نائمًا فى المسجدِ الحرام، فجاءه جبريل ومعه “البُرَاق”، وهو دابةٌ بيضاء، فركبه النبى صلى الله عليه وسلم، وانطلق به فوصل إلى بيت المقدس فى لحظاتٍ، فصلى النبى فيه ركعتين، ثم عُرج به صلى الله عليه وسلم إلى السماء، وفى كل سماءٍ كان يرى بعضَ الأنبياء عليهم السلام، ثم ذهب إلى سدرة المنتهى، وهناك رأى جبريل عليه السلام على صورته الحقيقية، ثم عاد النبى صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى، وصلَى بالأنبياء عليهم السلام إمَامًا، ثُم رجع إلى مكَةَ المكرمة.
يقول ابن القيم رحمه الله فى كتابه الرحيق المختوم:
عرج بالرسول عليه الصلاة والسلام ليلة الإسراء من بيت المقدس إلى السماء الدنيا فاستفتح له جبريل ففتح له، فرأى هنالك آدم أبو البشر، فسلم عليه، وأقر بنبوته، وأراه الله أرواح الشهداء عن يمينه، وأرواح الأشقياء عن يساره.
ثم عرج به إلى السماء الثانية، فاستفتح له، فرأى فيها يحيى بن زكريا وعيسى بن مريم، فسلم عليهما، وأقرا بنبوته، ثم عرج به إلى السماء الثالثة، فرأى فيها يوسف، فسلم عليه، وأقر بنبوته، ثم عرج به إلى السماء الرابعة، فرأى فيها إدريس فرحب به، وأقر بنبوته، ثم عرج به إلى السماء الخامسة، فرأى فيها هارون بن عمران فرحب به وأقر بنبوته.
ثم عرج به، صلى لله عليه وسلم، إلى السماء السادسة، فلقى فيها موسى بن عمران، فسلم عليه وأقر بنبوته، ثم عرج به إلى السماء السابعة، فلقى فيها إبراهيم عليه السلام، فسلم عليه، ورحب به، وأقر بنبوته، ثم رفع إلى سدرة المنتهى، ثم إلى البيت المعمور، ثم عرج به صلى الله عليه وسلم إلى الله جل جلاله، فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، وفرض عليه 5 صلوات فى اليوم والليلة.
وفى صباح اليوم التالى أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم كفار قريش بما رأى وحدث، فكذبوه، وارتد بعض مَن آمن مِن ضعاف الإيمان، فطلب كفار قريش من النبى صلى الله عليه وسلم أن يصف لهم بيت المقدس كبرهان على كلامه، فوصفه لهم، وكان النبى لم يره قبل ذلك قط، ولبى النبى صلى الله عليه جميع طلبات كفار قريش، لكن لم يزدهم ذلك إلا كبر وعناد.
وفى هذه الرحلة الربانية، رأى النبى صلى الله عليه وسلم، فئات متعددة مختلفة من الناس، ولكل فئة حالة غريبة، وكان صلى الله عليه وسلم، يسأل جبريل عن واقع كل فئة، فيشرح له جبريل حال كل فئة، وحظها من الثواب والعقاب، ومما رآه النبى صلى الله عليه وسلم:
• صورة آكلى أموال اليتامى ظلمًا، يقذفون فى أفواههم صخرًا من نار.
• صورة الهمازين المشائين الذين يغتابون الناس، وهم يقطعون جلودهم بأيديهم، ويأكلون ما يقطعون.
• صورة الزناة الذين يتركون ما أحل الله إلى ما حرم، وقد رآهم النبى، صلى الله عليه وسلم، يأكلون من اللحم النتن ويتركون الطيب.
• صورة الذين يتكاسلون عن الصلاة، تحطم رءوسهم بالصخر.
• صورة النساء اللاتى ينسبن الولد إلى غير أبيه، رآهن معلقات بثديهن.
ويتضح من “الإسراء والمعراج” أنها كانت رحلة للعبر والمعجزات، فهى محطة تاريخية، لها أهميتها، لما تضمنته من معانٍ وقيم، بجانب أنها معجزة خرق الله تعالى بها نواميس الكون، وفيها فرضت الصلاة لتكون معراجا يرقى بالناس كلما تدلّت بهم شهوات النُّفوس وأعراض الدنيا.