26-05-2014 06:54 PM
بقلم : د. عصام الغزاوي
في مثل هذا اليوم الخامس والعشرون من أيار عام ١٩٤٨ وفي حوالي ما بعد منتصف الليل بدأ العدو الصهيوني هجومه الأول على منطقة اللطرون وباب الواد ممهداً بقصف مدفعي مكثف للقضاء على دفاعات الكتيبة الرابعة بقيادة فارس الأردن وفلسطين حابس المجالي رحمه الله تلا ذلك هجوم للتمويه على مركز البوليس والأحراش المحيطة بالدير تم دحره من قبل القوة الأردنية ليبدأ بعد ذلك الهجوم الرئيسي على مواقع الجيش العربي بعنف ، وقد ذكر لي والدي رحمه الله أن اليهود كانوا في هجومهم هذا مصممين على فتح الطريق للقدس لنجدة قواتهم المحاصرة فيها بسبب الضغوطات السياسية عليهم من قبل بن غوريون شخصياً وقد حشدوا للهجوم نخبة القوة الضاربة وبمرافقة من المدرعات وإستطاعت القوة المهاجمة الوصول الى المواقع الأمامية للكتيبة الرابعة ليبدأ القتال بالسلاح الأبيض وتجلت العسكرية الأردنية بقيادة حابس المجالي الذي كان في المقدمة يشجع رجاله قائلاً لهم " الموت ولا الدنية " ونتيجة للشجاعة والتضحية والبطولة التي بذلها أفرادالكتيبة وعندما أحس العدو بالخسائر الفادحة التي تكبدها بدأ يجمع قتلاه وجرحاه منسحباً من أرض المعركة تاركاً خلفه جثث كثيرة تغطي أرض المنطقة وإستمرت المعركة ١٥ ساعة خسر العدو فيها أكثر من ٦٠٠ قتيل عدا الجرحى وغنم أبطالنا كميات كبيرة من الأسلحة من ضمنها بعض الأليات المدرعة ، وكنتيجة لهذه المعركة لم يتمكن اليهود من إيصال التعزيزات والإمداد للقدس المحاصرة مما أدى إلى إستسلام الحي اليهودي فيها لاحقاً .
ومن البطولات التي سمعتها عن والدي أنه عندما وصلت القوات الصهيونية الى مواقع الكتيبة الرابعة وبدأ القتال بالسلاح الأبيض دخل أحد الجنود اليهود الى مطبخ الكتيبة وكان فيه طباخ سوداني الجنسية ممتلئ الجسم وغير مسلح ومن حميته إنقض على الجندي اليهودي حاملاً سكين المطبخ بيده وطرحه أرضاً ونام عليه وطعنه بالسكين وفي نفس الوقت أطلق الجندي الصهيوني النار عليه من مسدسه فقتله ، وبعد إنبلاج ضوء الصباح تفاجأ الجميع بمشاهدة الطباخ السوداني ممدداً فوق الجندي اليهودي وكلاهما قد فارق الحياة .
إن في تفاصيل هذه القصة ُتختزل ألاف المشاهد التي تستحق ان ُتروى وتحكى للأجيال القادمة ، هذه هي البطولة وهذه هي الشهادة وهذه هي العسكرية الأردنية . اذ تقرأ قصة بطولة الشهيد تتأثر بشدة، لأن عندنا آلاف الشهداء الأبطال من الجيش وشهود العيان على بطولاتهم ، ولا بد من رواية حكاياتهم، فتسأل نفسك لماذا تغيب قصص الشهداء والابطال عن كتبنا ومسلسلاتنا و افلامنا الوثائقية ، وغيرنا يصنع تاريخاً مزوراً كل يوم؟.
وفي عام 1985 قال النائب الأسرائيلي عوزي لاندو في الكنيست ان عدد القتلى الأسرائيلين في معارك اللطرون فقط تجاوز ال 2000 قتيل، وبعد انتقادات شديدة قام بتقليل تقديراته إلى ال 1000قتيل عدا الجرحى والأسرى الذين كان من بينهم المجرم أرائيل شارون .
وبعد هذه المعركة الحاسمة زار الملك عبد الله الأول مواقع الكتيبة الرابعة وهنأ أفرادها على بطولاتهم وأطلق عليها إسم الكتيبة الرابحة . وما زال أهل القدس وقراها ينشدون في أفراحهم ((حابس حابسهم بالوادي.. حابس وجنوده وتادِ))((سرية قايدها حابس.. تقش الأخضر واليابس)) في دلالة على بطولات الجيش العربي .
هذه الصور من مقتنيات والدي الشخصية لإستحكامات الجيش العربي في المنطقة وبعض قتلى العدو تركهم خلفهم بأرض المعركة .