02-06-2014 12:13 PM
بقلم : تاج الدين عبدالحق
حكومة الخداج إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة، يريدان قبل منح الثقة لحكومة الحمد الله، ثمنا سياسيا قد لا تكون هذه الحكومة، بظروف تشكيلها ونوعية أعضائها قادرة على دفعه والوفاء به. وستظل هذه الحكومة محكومة، لا بآمال الداخل مهما كانت متواضعة، بل بما يفرض عليها من الخارج مهما كان قاسيا.
يبدو أن الحكومة الفلسطينية الجديدة ستكون حكومة "خداج" جاءت، غير مكتملة المواصفات، وبعد ولادة عسيرة احتاجت إلى مساومات وتنازلات واستجابات لضغوط هنا وظروف هناك.
و"الخداج" لمن لا يعرف هو المولود الذي يلد قبل الأوان، ويتطلب للحفاظ على حياته وضعه في حاضنة لعدة اسابيع وربما أشهر لحين اكتمال نموه، وتوفر القدرة لديه للعيش كباقي خلق الله، يرضع ويبكي ويتنفس، دون حاجة لتدخل الاجهزة التي تساعده على ذلك.
حكومة رامي الحمد الله الفلسطينية لا ينطبق عليها وصف الخداج من زاوية المدة التي احتاجتها للولادة، فهناك وقت طويل قضته السلطة الفلسطينة، من أجل الخروج بصيغة حكومية تجمع شتات القوى السياسية للشعب الفلسطيني المشتت أصلا، كما كانت هناك عمليات مد وجزر استغرقت سنوات للوصول إلى هذه الصيغة. بل إن هذه الصيغة ما كانت لتنتهي إلى ما إنتهت إليه لولا الظروف الإقليمية الضاغطة، التي اجبرت الأطراف السياسية الفلسطينية على تجاوز حساباتها الحزبية الضيقة بعد أن أدركت أن هذه الحسابات لن تنجيها من غوائل ما يحدث في الإقليم.
لكن الإعلان عن تشكيل حكومة الحمد الله، لا يعني أنها حكومة كاملة النمو، وتتمتع بالعافية والصحة أو أنها ستكون قادرة على المحافظة على صيغة المصالحة الهشة بين الحركتين الكبيرتين، فتح وحماس، كما أن الصلاحيات التي يمكن أن تحصل عليها ستكون أقل بكثير من أن تفي بالاستحقاقات التي تنتظرها، والتي تشمل بشكل رئيسي، الإعداد لانتخابات رئاسية وتشريعية.
فالحكومة الفلسطينية الجديدة هي وكما أعلن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس، ستكون حكومة تكنوقراط غير سياسية ولا يمثل أعضاءها أي فصيل، خاصة الفصيلين الرئيسيين في الساحة الفلسطينية.
وهذا التحديد لشكل الحكومة ولدورها يعني أن الحكومة الجديدة مطالبة بمعالجة قضايا سياسية حساسة، بادوات غير سياسية وخبرات غير سياسية وهذا الامر غير ممكن، وقد يكون في أفضل الأحوال محاولة من الفصيلين الفلسطينيين الرئيسيين، لكسب الوقت وتقطيع الزمن، بانتظار انفراجات إقليمية، او التخفيف من ضغط المرحلة السياسية الحالية.
فالكل يدرك أن حماس تأتي للمشاركة في الحكومة، بعد أن وجدت نفسها في عزلة خانقة، وتحت ضغوط إقليمية حادة تمنعها من الاحتفاظ بالمكاسب السياسية والشعبية التي حصلت عليها طوال سنوات حكمها في غزة.
وفتح أو السلطة الفلسطينية تمد يدها لحماس، بعد أن وصلت المفاوضات مع إسرائيل إلى طريق مسدود، وإلى نقطة يصعب تجاوزها. وبالطبع فإن مأزق المفاوضات يفقد السلطة مبرر بقائها ويأكل من رصيد المرحلة الانتقالية التي تمثلها. والبديل الوحيد أمام السلطة هو توفير إطار عمل حكومي، يؤمن إستمرار حياة الناس، ويطيل أجل الانتظار لأمل الدولة الفلسطينية الذي قد لا يأتي أبدا.
والواضح أن رموز السلطة الفلسطينية وعلى رأسهم الرئيس محمود عباس، على وشك أن يوصدوا باب حياتهم السياسية، وهم عندما يشكلون حكومة تكنوقراط، يحاولون من خلال هذه الحكومة ملء الفراغ الذي قد ينتج عن خروجهم من المشهد.
والمشكلة أن الدور المنتظر من الحكومة الجديدة، لا تتحكم في مساره الأطراف الفلسطينية، بل يسير "بالريموت كنترول" من الخارج . والخارج هنا، واحد من إثنين: إسرائيل التي تتحكم بالجانب الأمني من حياة الفلسطينيين، وفي قدرتهم على إدارة شؤونهم، حتى المنقوصة منها، والثاني: الولايات المتحدة التي تتحكم بالجانب المعيشي الذي تغذيه مساعدات أمريكية سنوية تصل إلى ما يقرب من نصف مليار دولار.
إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة، يريدان قبل منح الثقة لحكومة الحمد الله، ثمنا سياسيا قد لا تكون هذه الحكومة، بظروف تشكيلها ونوعية أعضائها قادرة على دفعه والوفاء به، وبالتالي فإن حكومة المصالحة الفلسطينية بالرغم من كل ما تبشر به من آمال ستظل محكومة، لا بآمال الداخل مهما كانت متواضعة، بل بما يفرض عليها من الخارج مهما كان قاسيا.