06-06-2014 02:55 PM
سرايا - سرايا - تمر اليوم ذكرى نكسة 5 يونيو عام 1967، وليس هناك شك أننا واجهنا تجربة مزعجة فى هذه الفترة استدعت ضرورة إعادة بناء الجيش وتنظيم صفوفه من أجل معركة التحرير، يقول الكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل فى مقدمة كتابه “حرب الثلاثين سنة.. الانفجار 1967″: “لا أميل إلى وصف ما حدث فى 1967 بالهزيمة، ذلك لأن الهزيمة تعنى تسليم طرف –بالكامل- لطرف آخر، فإذا رفض هذا الطرف أن يسلم وهو مالك لإرادته فهو غير مهزوم، وأكثر من هذا فإن هذا الطرف إذا صمم على المقاومة وأعطى نفسه إمكانية العودة باقتدار إلى ميدان الصراع فهو لم ينهزم بل هو – أكثر من ذلك – استعاد لقوته فرصتها من جديد حتى فى إحراز النصر، ولعلنا نتذكر أن أساتذة مثل “ميكافيللى” و “فوهللر” يقولان إن أى حرب لها هدفان:
1- هدف ابتدائى: تحطيم القوة العسكرية لدى العدو.
2- هدف نهائى: تحطيم إرادته.
فى 5 يونيو سنة 1967 نجح الطامعون فى هذه الأمة فى تحطيم قواتها المسلحة، وكان هذا هو الهدف الابتدائى، ولكنهم لم ينجحوا فى تحقيق هدفهم النهائى وهو ” تحطيم إرادتها “، رغم أن هذا الهدف النهائى لم يتحقق حتى فى سنة 1967، كما أن الهدف الابتدائى بدوره أفلت منهم أيضا فى نفس السنة لأن إرادة الأمة دفعتها إلى إعادة بناء قواتها المسلحة والعودة بسرعة إلى ميدان القتال، حتى وصلت من 5 يونيو 1967 إلــــى 6 أكتوبر 1973.
من هذا المنطلق بدأت القوات المسلحة إعادة التجهيز مبكرا لرد الاعتبار، حيث خاضت بعدها مباشرة حرب الاستنزاف قبل معركة العبور فى 73.. هنا يرصد “كايرو دار” لمحات من حياة الجنرال العسكرى العظيم الفريق أول محمد فوزى أحد القادة الذين ظلموا رغم دورهم الكبير فى التجهيز لـ 1973 والتخطيط الرائع والمنظم لحرب الاستنزاف، وإعادة بناء الجيش المصرى وتنظيم صفوفه بعد نكسة يونيو.
مولده ونشأته
ولد الفريق أول محمد فوزى يوم الجمعة 5 مارس 1915 من أبوين مصريين، بكباشى أمين فوزى والسيدة فاطمة زهدى، وكان والده أمين فوزى ضابطا كبيرا فى الجيش المصرى ومديرا لسلاح المدفعية.
نال الفريق فوزى الشهادة الابتدائية من مدرسة العباسية الابتدائية، عام 1930 وكان ترتيبه الرابع، ثم التحق بمدرسة فؤاد الأول الثانوية وحصل فيها على شهادة الكفاءة 3 سنوات “الإعدادية”، ليختم التعليم ما قبل الجامعى بشهادة البكالوريا بمجموع كبير من مدرسة القبة الثانوية، ثم التحق بالكلية الحربية وكان اسمها المدرسة الحربية عام 1934، واستمر فيها سنتين وتخرج بترتيب الثالث فى الأقدمية العامة لدفعة كان عددها 21 طالبا، تخرج منها معه 10 ضباط فقط، وكان عمره 21 عاما.
تدرجه الوظيفى فى المؤسسة العسكرية
1 يوليو 1936 ملازم ثان
13 مايو 1939 ملازم أول
10 أغسطس 1940 يوزباشى
6 مايو 1946 صاغ
18 نوفمبر 1948 بكباشى
1 إبريل 1954 قائم مقام
ديسمبر 1954 أميرلاى عميد
1 يناير 1958 لواء
1 يناير 1962 فريق
24 مارس 1964 فريق أول
11 يونيو 1967 قائد عام ثم وزير حربية 1968.
13 مايو 1971 استقالة ومعاش.
إعادة بناء الجيش المصرى بعد النكسة
بعد نكسة 1967 لم يجد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أفضل من الفريق أول محمد فوزى لمهمة إعادة بناء الجيش المصرى من أجل التجهيز لمعركة رد الاعتبار وتحرير سيناء، وقبل فوزى المهمة الثقيلة وبدأ مبكرا فى عملية إعادة تنظيم صفوف الجيش وتطهيره من القيادات المسئولة عن النكسة، وذلك لما يتمتع به من انضباط، فضلا عما كان يحظى به من تقدير كبير بين ضباط الجيش وجنوده،حيث تخرج على يديه الآلاف منهم عندما كان مديرا للكلية الحربية.
يقول الفريق فوزى: “إرادة القتال بعد حرب 67 مباشرة أوجدت شعورًا بالاستياء لدى الجندى والضابط والشعب والقيادة السياسية والعسكرية، الأمر الذى جعل هذه العناصر كلها تتجمع فى نطاق وحدة فكرية واحدة، وكانت حرب الاستنزاف حربًا مستحيلة.. كيف نبدأ حربًا مع إسرائيل وتوازن القوى بيننا وبينهم منعدم؟”.
يستطرد الفريق فوزى قائلا: “الجنود الذين حموا مصر بعد النكسة لم يكن معهم سوى سلاحهم الشخصى “البندقية”، وكان ذلك بدافع الوطنية والخوف على الكيان المصرى، الذى يتمثل فى قريته وزوجته وأهله، ظنًا منه أن العدو الذى اكتسح سيناء سوف يعبر قناة السويس ويصل إلى قريته”.
أكد الفريق فوزى أنه وقف بنفسه وهو القائد العام للقوات المسلحة بعد 9 و10 يونيو 1967 ينادى عبر الميكروفون على الجنود فى القرى والمدن، بالتوجه إلى معسكرات التجميع، وهى أول مهمة لإعادة البناء على حد قوله.
لعب الفريق فوزى على النواحى الإنسانية فى علاقته بالجندى، حيث كان هناك شعور فى بداية حرب الاستنزاف بأن الجندى المصرى متخوف من الجندى الإسرائيلى، فأراد أن “يخرج هذه النزعة من قلب الجندى المصرى”، حيث شجع أحد الجنود فى أن يعبر القناة ويذهب للضفة الشرقية ومعه قنبلة يدوية والبندقية والسنكى، وقال له: “بالمرة لو قتلت يهودى أحضره معك سباحة”، فحدث تجاوب من المقاتلين مع هذا الكلام تلقائيًا.
حرب الاستنزاف
حمل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الفريق فوزى مسئوليات خطيرة بعد توليه مهام قيادة الجيش، وقال له بالحرف: “أريد أن تحول سيناء إلى جهنم للجنود الإسرائيليين! وأن نستعد للتحرير، أمامك ثلاث سنوات ونصف على الأكثر لنسترد سيناء مرة ثانية”، وبناء عليه حدد الفريق فوزى ثلاثة دعائم لحرب الاستنزاف “يونيو 1967 – أغسطس 1970″ وهى: وضوح الهدف العسكرى والسياسى، إرادة القتال، الدعم السوفيتى.
مع بداية أول عمليات عسكرية قسم الفريق فوزى المدة التى حددها عبد الناصر للتحرير إلى ثلاث مراحل:-
1-مرحلة الصمود
2-مرحلة الدفاع النشط
3-مرحلة التحدى والردع
أولاً: مرحلة الصمود:
فى 11 يونيو 1967 اختار الرئيس بمشورة الفريق فوزى القيادات الرئيسية الجديدة للجيش ، الفريق عبد المنعم رياض رئيسًا للأركان، والفريق مدكور أبو العز قائدًا للقوات الجوية، والفريق فؤاد أبو ذكرى قائدًا للقوات البحرية، وكانت تلك البداية الفعلية.
لقد بدأت حرب الاستنزاف بتراشقات محدودة مع العدو، ولم يبدأ تخطيط منطقة دفاعية إلا بعد فترة تتراوح بين أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع من النكسة، وهو ما يتفق مع تاريخ معركة رأس العش التى حدثت دفاعًا عن النفس، وانتصرت فيها القوات المصرية.
كانت أول خطوة من ناحية الصمود استخدام مدفعية الميدان، من خلال الأعمال الفردية بالعبور من الجانب الغربى للقناة إلى الجانب الشرقى، بدعوة “الثأر” وأصدر الفريق فوزى منشورًا رائعا بإمضائه.. “اقتل الإسرائيلى أينما كان، وحيثما وجدته”، ومن هنا تزايدت الأعمال الفردية ضد العدو.
فى مرحلة الصمود أيضا بادرت القوات بإطلاق نار كثيف من المدفعية، فقابلها العدو بالمثل وكانت المسألة صراع متوازن على طول 170 كم، خط المواجهة الموازى لقناة السويس، وفى هذه الفترة وبالتحديد فى 9/3/1969 خسرت مصر الرجل الثانى فى القيادة العسكرية فارس الشهداء الفريق عبد المنعم رياض، وهو فى الخندق الأول، فى النسق الأول فى الموقع الأول شمال الإسماعيلية وسط جنوده.
لم تقتصر ملحمة حرب الاستنزاف على الأداء العسكرى، ولكنها تعدته إلى أعمال بطولية خاصة بالعمل على حرمان إسرائيل من رهينة عزيزة شعب السويس والإسماعيلية وبورسعيد، الذين كانوا تحت نيران العدو مباشرة.
ثانيًا: مرحلة الدفاع النشط
كانت بدايتها بنشاط من القوات البحرية التى اكتشفت هدفًا مائيًا شمال الإسكندرية، فاشتبكت معه الدوريات البحرية وأغرقته، ثم اتضح أنها غواصة إسرائيلية اسمها “داكار”، وبها 69 بحارًا كانوا فى طريقهم من بريطانيا إلى إسرائيل.
تطور الأمر بنشاط جميع القوات على طول المواجهة ضد العدو، من قناصة لدوريات ليلية مقاتلة، لتركيز بتأثير مدفعية الميدان، كل ذلك أدى إلى إجبار العدو على إنشاء خط بارليف المكون من 35 نقطة قوية شرق القناة مباشرة.
فى آخر عام 1969 دخل العدو بكثافة بآخر سلاح له فى المعركة وهو الطيران، وكان الهدف من ذلك هو ضرب وسائل الدفاع الجوى المصرية فى الجبهة، وكسر عزيمة المقاتلين وإزاء هذا النشاط الجوى الزائد تم الإسراع فى تطوير القوات الجوية المصرية، بغرض زيادة المدى والتسليح والمناورة.
لقد قصد العدو الإسرائيلى فى هذه الفترة أن يقوم بعدة عمليات تعبوية مضادة، الهدف منها التأثير على الروح المعنوية للمقاتلين المصريين، حيث بدأ بعملية الزعفرانة فى 9/9/1969، التى استهدفت الاستيلاء على جهاز الرادار فى هذه المنطقة التى تبعد 100 كم جنوب السويس، والعملية الثانية تمت فى ليلة 23-24 ديسمبر 1969، عندما تقدمت قوات الكوماندوز الإسرائيلية بهليكوبتر، واستولت على رادار خليج السويس.
آخر هذه العمليات كانت معركة شدوان فى 22 يناير 1970، التى استمرت 8 ساعات، فشل فيها العدو فى أن يحتل الجزيرة وطرد منها بواسطة مدفعية القوات المصرية على الجزيرة، واضطر أن ينسحب بخسائر كثيرة.
فى آخر هذه المرحلة أصبح ميزان القوى يتصاعد لصالحنا سياسيًا وعسكريًا، وخاصة وأن الولايات المتحدة لم تكن قادرة على إعطاء إسرائيل مزيدًا من السلاح لتورطها فى فيتنام، أما نحن فنأخذ من الاتحاد السوفيتى ويؤكد الفريق فوزى أن ميزان القوى تساوى بيننا وبين إسرائيل فى آخر عام 1969.
ثالثًا: مرحلة التحدى والردع
كانت صفقة يناير سنة 1970 الشهيرة عبارة عن تفوق نوعى من ناحية السلاح، فبموجبها دخلت إلى المعركة صواريخ “سام 3″، بالإضافة إلى 120 طيارًا سوفيتيًا ممتازًا؛ مما غير الموقف تمامًا لقد غطوا العمق وغيروا الميزان نفسه بيننا وبين إسرائيل.
أرادت إسرائيل أن تمنع صواريخ سام 3 من الوصول إلى قناة السويس، يشرح الفريق فوزى الموقف قائلاً: “هنا تطورت المعركة، لقد كان التحدى.. كيف نصل لقناة السويس؟، كان ذلك بتصاعد العمليات العسكرية من القوات المسلحة ضد إسرائيل”.
قامت مصر بثلاث عمليات تحت إشراف الضفادع البشرية البحرية المصرية بداية من ميناء إيلات، ثم تدمير الحفار فى أبيدجان بساحل العاج، الذى كان متوجهًا إلى خليج السويس ليقوم بإنتاج بترول مصرى، وعلى عكس ما كان متوقعًا فى إسرائيل، فإن ضرب العمق لم يُحدث فى مصر التأثير الذى خططوا له، بينما فى نفس الوقت فإن عمليات الضفادع البشرية المصرية فى قلب إسرائيل هزتهم، “وعرفوا أننا انطلقنا”.
قررت إسرائيل المزيد من التصعيد ضد مصر باستخدام الطيران، مما أحدث بعض الخسائر الاقتصادية والحيوية، فضربت مصنع أبو زعبل ومخازن دهشور ومدرسة بحر البقر فى إبريل 1970.
أدى تفوق الطيران الإسرائيلى إلى تفكير مصر فى إنشاء سلاح للدفاع الجوى كقوة مستقلة، وتبعه إنشاء حائط الصواريخ الشهير بالاعتماد الكلى على الصواريخ السوفيتية “سام”، وقد حمى كل السماء المصرية وأضعف التفوق الجوى الإسرائيلى.
كانت معركة حائط الصواريخ على الجبهة المصرية تمتمة لحرب الاستنزاف، فهذا الإنجاز لم يحدث بدون تضحيات، وإن كان من نتائجها السياسية قبول إسرائيل تنفيذ قرار مجلس الأمن 242 وبداية تفكير مصر فى معركة العبور وتحرير الأرض.
عزله ووفاته
عقب وفاة الرئيس جمال عبد الناصر فى 28 سبتمبر عام 1970 وتولى السادات رئاسة الجمهورية، نشبت بعض الخلافات بينه وبين قيادات المرحلة الناصرية انتهت بوضع هذه القيادات فى السجن بعد محاكمة هزلية، واشتهر هذا الحدث إعلاميا بـ”ثورة التصحيح”، وحوله السادات إلى مناسبة قومية حتى تم إلغاؤها فى بدايات عهد مبارك.
كان الفريق فوزى واحدا من هؤلاء الذين تعرضوا للمحاكمة، لكن السادات خضع لمطلب الجيش المصرى برفض محاكمة الرجل الذى أعاد بناء الجيش، وقاد عسكريا حرب الاستنزاف المجيدة، وقبل هذا كان قائدا للكلية الحربية لأكثر من عشر سنوات وتخرج على يديه أجيال كثيرة من ضباط الجيش المصرى، ثم رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة، واكتفى السادات بوضعه تحت الإقامة الجبرية وأمر الرئيس الأسبق مبارك بعلاجه فى الخارج على نفقة الدولة، ثم نُقل إلى مستشفى المعادى.
توفى الفريق فوزى يوم الأربعاء الموافق 16 فبراير سنة2000 عن عمر يناهز 85 عاما، وكان الرئيس السابق حسنى مبارك فى مقدمة المشيّعين فى جنازته تكريما لإنجازاته وتقديرا لإخلاصه وخدماته المتميزة كأحد القادة الكبار والأبطال العظام الذين ظلمهم التاريخ.