18-06-2014 12:25 AM
سرايا - سرايا - عاشت مدينة ليفربول الإنجليزية أسبوعاً ثقافياً عربياً بامتياز، حيث شهد مهرجان ليفربول للثقافة العربية -الذي امتد بين يومي 7–15 حزيران (يونيو) الحالي- إحياء العديد من الأنشطة المميزة التي استقطبت جمهوراً متنوعاً من عدد من المدن الإنجليزية، وذلك في مسعى لمد جسور التواصل الثقافي بين العالم العربي والجمهور البريطاني، ولتعريف الآخرين بالثقافة العربية وإطلاعهم على التجارب الجديدة والمختلفة في كل دورة.
ركز المهرجان اهتمامه على الأسرة، وأولى عناية خاصة للحديث عن حقوق المرأة والتركيز على دورها المهم في النهوض بالثقافة والمجتمع. كما اشتمل على أنشطة في الموسيقى والسينما والمسرح والرقص والمعارض، إلى جانب ملتقيات مع الأدباء والفنانين.
وتحت عنوان "ساعة الحرية" كانت هناك -على مدار بضعة أيام- نقاشات حية ومثيرة للجدل حول قضايا راهنة ومواضيع ثقافية تتعلق بالحرية والتغيير في العالم العربي، ولا سيما في ظل الثورات العربية الراهنة، وما أفرزته من انقسامات في بنية المجتمعات، وما أظهرته من تراكمات في ظل الاستبداد المديد.
رئيس المهرجان طاهر علي قاسم، قال "مهرجان ليفربول الثقافي يسعى للاحتفال بالدور المتنامي للثقافة العربية والأدباء والفنانين العرب في مجتمعاتهم وفي إيصال رسائلهم إلى الآخرين".
كما ذكر أن المهرجان يحتوي على فعاليات متنوعة و"وفر هذا العام كثيراً من المتعة والفائدة والتعلم والمشاركة". وأعرب عن رغبته بتوسيع دائرة التأثير الثقافي العربي كل عام، بحيث تحمل كل دورة جديداً، وتساهم بنشر الثقافة العربية والاحتفاء بها والتشجيع على الإقبال عليها.
قضية العرب المركزية فلسطين تظل حاضرة دوماً في أي نشاط ثقافي عربي في بريطانيا، وقد كان ذلك عبر أكثر من نشاط، مثل فيلم "عمر" للمخرج هاني أبو أسد الذي يصور كيف يتسلق فتى الجدار العازل في الضفة الغربية لزيارة الفتاة التي يحبها، وعندما يحاول التخفي من المخابرات يجد نفسه مجبراً على القبض على أحد رجال المقاومة.
وجاء "كتاب غزة" الذي ساهم فيه عدد من الكُتاب وحرره عاطف أبو سيف، وجمع عدة نصوص في مقتطفات تقدم بالنسخة الإنجليزية للمرة الأولى، تتويجاً للأنشطة. وقد وُصِف الكتاب بأنه تجاوز تغطية وسائل الإعلام العالمية لفلسطين واكتشف الكثير مما يتم التعتيم عليه.
ومن باب التركيز على معاناة المرأة في بعض الأماكن في العالم العربي، تم عرض فيلم "وجدة" للمخرجة السعودية هيفاء المنصور. ويتناول الفيلم جوانب من التقييد الاجتماعي في السعودية والتضييق الممارس على المرأة، وكيف ينعكس ذلك على نفسيتها، ويؤدي رويداً رويداً إلى تفتت أسري. ويكون الانطلاق من قيادة الدراجة الهوائية على خلفية مسألة عدم السماح للنساء بقيادة السيارات.
وجدة (بطلة الفيلم) طفلة حالمة تنشد الركوب على دراجة هوائية، وتسعى لتحظى بدراجة خاصة بها، لكنها تُقابَل بنواهي العيب ولا يسمح لها بتحقيق حلمها، يتقاطع حلمها مع حلم أمها المنكسر، وروحها المحطمة لأن زوجها يضطر للزواج بأخرى من أجل إنجاب ولد ذكر. ثم تختم المنصور فيلمها بتحقيق حلم الصغيرة وقيادتها لدراجة خاصتها، في إشارة إلى حتمية التغيير بالنسبة للجيل الجديد، وضرورة الدفع إلى ذلك بعيداً عن قيود العيب والعار المتعاظمة التي تطال بنيرانها الجميع بطريقة أو أخرى.
وكان الشأن السوري محور فعاليات اليوم ما قبل الأخير في المهرجان. وذلك من خلال أكثر من نشاط، حيث كان العنوان العريض "سوريا تتحدث" الذي كان عنوان كتاب طبع بهذه المناسبة، وضم نصوصاً لعدد من الأدباء السوريين، من باب التعريف بالثورة وأنشطتها الفنية والأدبية بعيداً عن انحراف المسارات ومحاولات التشويه المستمرة.
قرأ الروائي السوري خالد خليفة فصلاً من روايته "لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة" وتحدث عن حساسية الكاتب في تفاعله مع الأحداث، ودوره المحدود في ما يجري، وشدد على حرصه بأنه سيظل يبحث عن معاني الحياة في ظل هذا الرعب المتواصل، وأنه ككاتب يحاول المساهمة بقسطه لنقل معاناة أهله وبلده.
شاركه الندوة الروائي الإسكتلندي السوري روبن ياسين قصاب الذي تحدث بدوره عن راهن الثورة السورية، وذكّر ببداياتها وحرص على التشديد بوجوب استمراريتها كونها شكلت منعطفاً تاريخياً مهما للمنطقة كلها. كما تحدث الكاتبان خليل يونس وزاهر عمرين، وتم عرض بعض الوثائقيات عن الثورة السورية ومن قلبها. وقد أدارت الجلسة الكاتبة مالو هالاسا.
كما قدمت فرقة "ديوان" التابعة لمؤسسة "ديوان الثقافية" عرضاً مسرحياً مستوحى من رواية "سرمدة" للسوري فادي عزام، وقد أخرجه لؤي الحناوي وعليا الزعبي، وأدته تمثيلياً عليا الزعبي، وكانت الموسيقى الخاصة المؤلفة للعرض بأداء لؤي الحناوي وعتاب حداد، وأدت الأغاني خلود محافظة.
يظل "مهرجان ليفربول الثقافي العربي" نافذة مهمة يطل منها الجمهور البريطاني على الثقافة العربية وجديدها، ويتعرف إلى القضايا التي تهم الشعوب العربية، كما يفتح الأبواب أمام التواصل الحضاري المثمر بعيداً عن الأفكار المسبقة والأحكام المجحفة والأقوال الجاهزة.
ومعلوم أن الثقافة والفنون تظل من أعظم الدروب إلى العقول والقلوب، وتكون القوة الناعمة الحقيقية الأبرز التي تهيئ لتغيير النظرة المقيدة وتمهد لتجسير الفجوات الموجودة.