21-06-2014 04:18 PM
بقلم : أ.د رشيد عبّاس
يقال أن رقصة البطريق هي رقصة من أصل فنلندي ظهرت عام 1956م, فقد كان الشعب الفنلندي يقوم بهذه الحركات الاستعراضية كفلكلور شعبي دون موسيقى مصاحبه لها, إلى أن قام شاب الباني بمزج هذه الحركات بموسيقى اقتطعها من احد أفلام الكارتون القديمة, حيث أخذت هذه الرقصة شكلها الأخير من حيث الحركات التسعة والموسيقى, ومن ثم أخذت تسميتها المشهورة عالميا بـــ(رقصة البطريق), لكن السؤال المطروح والمهم هنا هو: كيف تشكلت حركات هذه الرقصة عند الشعب الفنلندي؟
الجواب اعتقد انه عند صاحبنا خبير الطيور الفنلندي(بيكا), فقد اهتم هذا العالم بأبحاثه حول تطّور حركات وسير طائر البطريق, فقد توصل هذا العالم إلى أن طائر البطريق أثناء سيره يتمايل ذات اليمين مرتين وذات الشمال مرتين ، ثم يتقدم للأمام خطوة ليعود للخلف خطوة وبعد ذلك يتقدم إلى الأمام ثلاثة خطوات متتالية, أن السير بهذه الطريقة للبطريق يفسرها خبير الطيور الفنلندي (بيكا) على انه هي الطريقة الأنجع التي يمكن من خلالها أن يتحرك بها نظرا لكون قدميه في غاية القِصر, ومن اجل الحفاظ على طاقته ورشاقته بعد رحلته الطويلة في أعماق البحر, فالبطريق سبّاح ماهر, ويمتلك معلومات وأسرار عديدة عن أعماق البحار .
كلمة البطاريق(جمع بطريق) تنطبق على كلا الجنسين ولهما منا كل الاحترام والتقدير, وقد تبين بعد العديد من الدراسات أن الذكور هي التي تقوم بهذه الحركات (الرقص) بعد اطّلاعها على أسرار البحر ومكنوناته, لتخرج من البحر بعد ذلك مباشرة لترقص على رمال الشاطئ فرحة راسمة على هذه الرمال بأرجلها أجمل التعابير وأصدقها, كما يؤكد خبير الطيور الفنلندي (بيكا( أن طائر البطريق يقوم بهذه الحركات(الرقص) استعراضا منها أمام إناثها التي تراقب هذه الحركات, للدلالة على استعدادها للتزاوج في فصل الربيع, وهنا نقول ولله في خلقة شؤون, فلــه حكمــة في كل خلق لا يعلمهــا إلا هــو سبحــانــه وتعالى, لكن الغريب العجيب نحن بنو البشر, قمنا بتقليد جميع الكائنات الحية, وآخرها تقليد طائر البطريق برقصته الجميلة جدا, كيف لا وقد انتشرت هذه الرقصة بطريقة سريعة جدا من أقصى الغرب, إلى أقصى الشرق.
طبعا البطريق له مبرراته وظروفه ودوافعه في هذه الرقصة الرائعة كما نوّه لذلك خبير الطيور الفنلندي (بيكا), لكن الخطورة هنا يا أعزاءنا الكرام أن تتخلى طيور البطريق عن هذه الرقصة, ليس كرها بهذه الرقصة, بل لان بنو البشر(كعادته) شوهوا هذه الرقصة من خلال التقليد الأعمى , حيث أن البعض من بنو البشر قام بالتعري أو شبه التعري أثناء الرقص, في حين أن البطريق رقصها وكأنه يرتدي سترة على كتفيه, ثم أن البعض من بنو البشر رقصها على مبدأ الاختلاط(وما أدراكم ما الاختلاط) أثناء الرقص, في حين أن ذكور البطاريق هي التي رقصتها فقط , كذلك البعض من بنو البشر رقصوها في الغرف الحمراء, في حين أن البطاريق رقصتها على شواطئ البحار على الرمال, أن تقليد الإنسان لسلوك الكائنات الحية الأخرى يؤكد حقيقة لا تقبل الشك , هذه الحقيقة تنص على أن الإنسان يتميز بحسه الجمالي وتقديره وتذوقه للجمال وهو ما يبعث في الإنسان الحاجة للتعبير عن الذات والإبداع الثقافي في الفن والأدب والموسيقى, كل ذلك مقبول, لكن دون تشويه لحقيقة الأمور, فتشويه الحقائق يسيء إلى طبيعة الحقيقة نفسها, ...في النهاية بقي أن نقول أن رقصة البطريق بحركاتها التسعة المتكررة لها إيقاع جميل, ولكن علينا أن نقلّد طائر البطريق أيضا بحفاظه الفطري على مكونات البيئة, وبمشيته الهادئة بعيدا عن المرح, علينا أن نقلّد طائر البطريق بسرعته المعتدلة أثناء السير, وبستر العورة أثناء الرقص, لقد فرّغ هذا الطائر أسرار البحر على الرمال بحركات قدميه المتكررة, لكنه يعرف بالفطرة أن الأمواج الهادئة تغزو الشواطئ لتعيد للبحر أسراره .