29-06-2014 06:20 PM
بقلم : راتب عبابنة
لم يعد يخفى علينا ازدياد عدد حالات الإنتحار والقتل خصوصا في العقد الأخير وتحديدا في السنوات القليلة الأخيرة. وإذا تفحصنا هذه الحالات نجدها مرتبطة ومتزامنة مع انحدار الوضع الإقتصادي الذي أفرز شريحة كبيرة من الباحثين عن فرص عمل ووظائف مما ضاعف الأعباء والإلتزامات المالية التي تتناسب طرديا مع الوضع الإقتصادي العام. فكلما تراجع الوضع الإقتصادي تراجعت القدرة على تلبية متطلبات الحياة. فالأسعار المسعورة والضرائب المرتفعة والرواتب التي لا تتناسب على الإطلاق مع ضخامة الأعباء جعلت الحياة لا تطاق. وهذا الوضع الخانق دفع بالكثيرين للجوء لوضع حد لحياتهم أو لحياة من يختلف معهم.
لا نذيع سرا ولا نبالغ عندما نقول أن الغالبية من الأردنيين يعيشون عند خط الفقر أو يتعايشون دونه. وحسب الخبراء والمتخصصون فإن خط الفقر يفوق ألـ 800 دينار في الشهر.
السبب الإقتصادي يشكل الدافع الرئيس الكامن خلف حالات الإنتحار والقتل. والإقتصاد كسبب يعني أن المطلوب والضروري والأساسي للعيش المريح يفوق كثيرا القدرة الشرائية لدى المواطنين. وهذا بدوره يخلق التزامات يصعب أو يستحيل الوفاء بها مما يدخل المواطن بحالة اختناق تجعل منه باحثا عن حلول مستحيلة لأن البيئة الإقتصادية العامة ليست بصالحه. وبعد مروره بحالة الإختناق والبحث الفاشل يواجه حالة من اليأس والإكتئاب والقنوط تدفعه لتغيير تفكيره وسلوكه المعبران عن قناعة راسخة بأن لا بديل عن الخروج من حالته إلا قتل النفس/الآخر.
وهناك أسباب عديدة للقتل بنوعيه, فمنها الفشل سواء بالدراسة أو الزواج أو بقصة حب أو خلل بالعلاقات الأسرية أو عدم الوفاء بالحقوق المالية أو غيرها من الحقوق. وقبل ذلك ضعف الإيمان وضعف الوازع الديني والتربية والتنشئة البيتية والظروف المجتمعية وغياب أو ضعف الجهات والمؤسسات التي تنشر الوعي والتوعية من خلال حملات وبرامج مدروسة بعناية يقوم بها خبراء مختصون لوضع اليد على الدوافع وطرح الحلول التي تحد من القتل بنوعيه.
ولا ننسى أن الأردن في العقدين الأخيرين قد احتضن هجرات ولجوء تجاوز المليونين بثقافات وعادات وخلفيات مختلفة أدخلت على بيوتنا الآمنة لتعكر صفونا وليطالنا منها كل ما هو سيء. فتلك أمور كفيلة لأن تقلب أي مجتمع رأسا على عقب. فالأردني أصبح لا يجد متسعا لالتقاط أنفاسه من تسارع وتيرة الصدمات القاتلة الشيء الذي يجعلنا على الدوام نخشى من القادم ونتخوف من المستقبل. وهذه أسباب أكثر من كافية لتجعل صناع القرار ومن بيدهم العقد والحل أكثر تنبها ويقظة من ذي قبل حتى يتفادى الأردن كل ما يمكن أن يزيد الطين بلة. عما اعتاده الأردنيون وترك بصماته على المجتمع.
فنحن نكاد نكون أمام "ظاهرة" تبعث على القلق والخوف إذا تركت بدون دراسة وعلاج. وللأسف لا نلمس من الحكومات أي جهد بهذا المجال. وعلينا ألا نهمل حقيقة أن من لديه الإستعداد لقتل النفس يكون مهيئا ــــ مع القليل من التوليف من جهات وأشخاص لا يريدون الخير للأردن ــــ لأن يتحول لانتحاري إذ الموت تحصيل حاصل حسب اعتقاده وهنا مكمن الخطر. نقولها ـــ مع دعائنا بأن يصطلح الحال ـــ أن "ظاهرة" القتل بنوعيه تتشكل على وقع غياب الإصلاح وترك الفاسدين دون حساب واقتصاد مهلهل وعجز بالموازنة كبير ودين يزداد مع كل شروق شمس وإقليم بعضه ملتهب وبعضه الآخر يقترب من الإشتعال.
الحكمة والشفافية تستدعيان أن لا ندفن رؤوسنا بالتراب, بل الصراحة والمواجهة والإقرار بالأخطار المحدقة هي الوسائل التي إذا استخدمت يكون بها الضمان للخروج من حالة التوجس والتخوف اللتان تصبان الزيت على النار لتزيدان من سوء المشهد.
شبه يومي نسمع ونقرأ عن "جثة متفحمة" أو انتحار شخص أمام الناس" أو "العثور على جثة عشريني/ثلاثيني/أربعيني...." أو "شخص منتحر ببيته" أو "العثور على طفل أو جثة طفل عند حاوية قمامة أو أمام مسجد". عبارات أصبحت تملأ الصحف والمواقع كانت تغيب عن صحافتنا وإعلامنا, لكنها الآن تكاد تكون عناوين ألِفَها الناس ولم يعودوا يتابعوا تفاصيلها لكثرتها.
بحال القتل يتم التحقيق والمتابعة للوصول للجاني وعلى الأرجح يتم القبض على الجاني بزمن قياسي بفضل الله ثم باحترافية ومهنية أجهزتنا الأمنية التي نفاخر ونعتز بها أمام العالم. لكن الدور المكمل لذلك هو دراسة حالات القتل والإنتحار وتشريحها للإستفادة منها وعدم تكرارها وذلك بتوجيه المجتمع وبث الوعي وتفعيل الثوابت الدينية التي تحرم قتل النفس والآخرين. ولا نشك بمعرفة الدولة للأسباب التي تقف خلف هذه "الظاهرة" ووسائل الحد منها أو القضاء عليها.
الإقتصاد بالغالب هو المحرك والمُشكِّل لطبيعة سياسات الدول التي تنتهجها وتحدد طبيعة العلاقات فيما بينها. وهو أيضا المُقوْلب لسلوكيات أفراد المجتمع ما يجعل هذه السياسات والسلوكيات المرآة التي تعكس حقيقة الوضع القائم. فارتفاع نسبة الجريمة بحق النفس والآخرين نلاحظها تأخذ منحنى تصاعديا مدفوعة بتدني الدخل وثبات الرواتب المنخفضة جدا التي لم تعد كافية لتغطية الحد الأدنى المطلوب.
لقد بات الإعلام بكافة صنوفه مدعو للتعاطي مع هذا الملف ومناقشة تفاصيله والدفع باتجاه الجهات الحكومية المعنية لتفعيل دورها وشحذ همتها لخلق الإهتمام المطلوب لعل الله يأخذ باليد وتحد من هذه الحالات وذلك بتوفير البيئة والمناخ المناسبين حتى نجعل من القتل خيارا مستبعدا.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com