15-07-2014 10:42 AM
بقلم : عادل الحاج أبوعبيد
كلنا نعرف منهج وطريقة الكفاح المسلح ، وما تستدعيه هذه الطريقة من تجهيز العدة والعتاد والعباد ، وقد جربت أمتنا العربية هذه الطريقةمنذ ما يزيد عن السبعين عاما ، ومنيت بنكبات ونكسات وإنكسارات عسكرية وبشرية لاداع هنا لذكرها والبحث في مسبباتها ، فالبحوث بهذا الشأن كثيرة ومطولة ، والإجتهادات في تفنيدها والإجابات على تساؤلاتها قد ساقتنا إلى مسارات غير حميدة في الأغلب ، نتج عنها ما نتج من فقدان الثقة بالقيادات والأنظمة وتكريس حالة الإحباط والإنكسار لدى جل الشعوب العربية والإسلامية ، ناهيكم عن هدر مقدرات وثروات الأمة والتقصير الواضح في التنمية البشرية في كل مجالات الحياة . وأستثني بالطبع معركتي الكرامة 68 وحرب سيناء 73 وبعض نجاحات المقاومة في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة ولبنان.
والتحول التلقائي للمنهج السياسي كان محتما ، إبتداءا بـإتفاقية كامب ديفيد ومن ثم مؤتمر مدريد بعدها بسنوات عديدة. وكما أن للمنهج المسلح أصوله وطرقه ، فإن للمنهج السياسي أصول وطرق مختلفة عن المنهج المسلح ، أولها نبذ اللجوء للسلاح والطرق المسلحة كأسلوب للحل ، إلا أن كل سياسي محنّك لا يستثني الطريقة المسلحة ، ويبقيها خارج لعبةالسياسة ، بل ويرفضها دائما (إعلاميا) ، رغم قناعته أن الطريقة المسلحة هي خيار ضغط يمكن إستثماره سياسيا بين الفينة والأخرى ، مع علم كل الأطراف بذلك وإن كان كل منهم يبدي إستنكاره لأي فعل مسلح عندما يحدث ، ويلقي اللوم على مسئوليه الذين لا يؤمنون بالعمل والمنهج السياسي.
ذكرت في ما ذكرت في الفقرة السابقة كلمة (إعلاميا) ، وعليه فإن الإعلام يصبح منهجا وطريقة هامة لمعتنقي المنهج السياسي كما هو معروف ، فالخطاب الإعلامي لا يوجه للمسئولين السياسيين في شتى بقاع الأرض ، إنما هو لمخاطبة عامة الجماهير لمحاولة إقناع الأغلبية منهم بقضيةما ، حتى يمكن لهؤلاء الضغط على حكوماتهم وأنظمتهم والتأثير في إتخاذ القرارات المصيرية الهادفة لحل هذه القضية أو تلك.
هذا وقد وعت الكثير من الأنظمة الراديكالية في أنحاء العالم خطورة الإعلام وتأثيره القوي على الجماهير ، وتمت محاصرة الحريات في النشر والإعلام بكل أنواعه ، بل وحتى اللجوء إلى السجن والإعتقال في حال نشر ما لا توافق عليه تلك الأنظمة من أخبار وأحداث. والمهم أن تلك الحقبة قد ولت ، وأصبح العالم الآن قرية صغيرة بحق ، ومسألة الحصول على المعلومة والخبر والحدث أصبحت في متناول الأيدي عبر وسائل الإتصال والتواصل الجماهيري المعروفة ، لدرجة أن التخطيط للقيام بإعتصام أو تظاهرة جماهيرية أصبح أمرا يسيرا جدا ، وقد أدت هذه الوسائل في عالمنا العربي إلى إنهيار أنظمة لم نكن نتوقع لها أن تنهار في يوم من الأيام.
قد أسهبت في مقدمتي التمهيدية كي أصل إلى خطورة أمر الإعلام ، الذي شملته في عنوان المقالة (طرق الكفاح) .. فالإعلام هو أحد طرق الكفاح التي لا تقل أهميةعن الكفاح المسلح والكفاح السياسي ، بل وأزيد بأن أجزم أن الإعلام هو أهم طرق الكفاح قاطبة .
وخلاصة الأمر فيما أود قوله هنا .. أننا يجب ألا نأخذ الإعلام كوسيلة نشر ليس إلا .. ويجب علينا ألا نغفل خطاب الآخر ، الذي بيده زمام الأمر في كفاحنا السياسي ، طالما أننا تخلينا عن الكفاح المسلح ، وأن نتقن هذا الفن العظيم بكلما تعنيه الكلمة من إتقان في إستخدام التقنية العالية في الطرح واللغة ونبرة الصوت والشكل وإستخدام الصورة والفلم والموسيقى والأغنية وكافة الوسائل الفنية العاليةالتقنية لإيصال رسالتنا الواضحة الصريحة ، ولننظر إلى عدونا الصهيوني الذي يمارس هذا الفن بكل إحترافية ، ليظهر أمام العالم أنه الضحية دائما وأبدا ، رغم معرفتنا بأساليبه وطرقه الخبيثة الملتوية في قلب الحقائق ، إلا أن هذا لا يكفي أبدا ، وعلينا أن نستخدم وعينا هذا إعلاميا لكشف هذه الألاعيب وقبل حدوثها بالترويج لما يمكن للعدو فعله قبل ذلك وبوقت كاف ، وماحادثة إختطاف الشبان الثلاثة إلا دليلا على ما أتحدث عنه ، فلقد قرأت تحليلات للكثيرين من المتمرسين في فهم طرق العدو ، كانت تشير بوضوح أن الأمر ما هو إلا مقدمةمفبركة للعدو يستخدمها للتمهيد بالإنسحاب من المحادثات السلمية مع الفلسطينيين ،متذرعا أن الخاطفين (حماس) هم حلفاء السلطة ، والذين لا يثقون بهم ، بالرغم من إنكار حماس لعلاقتها بالحادث ، وعلي القيادة الصهيونية أن تتصرف حيال ذلك طالما أن السلطة الفلسطينية لا تملك قرار وقف هذه العمليات ، وهذا فعلا ما حدث وما كنت مقتنعا بإمكانية حدوثه طوال الوقت ، إلا أن المستغرب أننا لم نرى تسليطا إعلاميا على ما ذكر من إمكانية حدوث ما حدث ، إلابعد أن حدث ، ومن خلال وسائل إعلام غربية وغير عربية ، مجهزة مقدما ، كانت في أغلبها تنشر قصة ورواية العدو ، وتمر خجلا على روايتنا .. المعتادة.
نعم نحن أصحاب الحق .. ونحن من يقع علينا الظلم ، وبدلا من أن ننشغل في نشر روايتنا وقصتنا الحقيقية عبر وسائل التواصل المتاحة للملايين منا ، وبكل لغات العالم ، وأتكلم هنا بشكل شخصي وليس على مستوى الدول والأنظمة ، أعود فأقول أننا قد إنشغلنا بشتم أنظمتنا وإتهامها بالعمالة ، كما هي عادتنا السابقة ، ولكن بصوت أعلى وأكثر إنتشارا ، ونسينا أن أنظمتنا هي أنظمة سياسية قد أسقطت خيار الكفاح المسلح منذ سنين طويلة ، وأن الدور علينا الآن في دعم أنظمتنا بإبداء الرأي وبشكل منظم ديمقراطي ، والحيلولة من أن تصبح إعتصاماتنا ومظاهراتنا شكلا من أشكال الفوضى والإستفزاز لأجهزتنا الأمنية التي تحرص على حمايتنا وحماية أوطاننا من أي عابث أو مندس يحمل أهدافا ليست نبيلة كأهداف الأغلبية منا.
ما يحدث في غزة كان متوقعا ، وعلينا أن ندعم إخواننا هناك بكل ما نستطيع من دعم ، كل بقدراته ، وفي المقابل فإن المقاومة المسلحة تذيق العدو درسا لن ينساه ، وسوف يتذكر بعدها أن ما حدث ليس بنزهة وأن الإستهانة بالكرامة والحرية لم يعد أمرا سهلا كما سبق ، وأن كل المتاريس والحواجز لن تقف مانعة لتقنيات المقاومة الحديثة ، وأساليبها المتطورة.
وقف إطلاق النار قادم لا محالة ، وكما سبق وحدث في الماضي ، والعمل السياسي الدبلوماسي على أشده ، والكفاح الإعلامي ، الذي نقصر به نحن وأنظمتنا ، يعمل دوليا مع أصدقاء لنا هنا وهناك لكشف زيف إدعاء العدو وغطرسته وإلتفافه حول الحقيقة ، وتبقى الضحية الأولى "أهل غزة" الذين واجهوا ببسالة هذه المجزرة النكراء وقدموا لنا شهداء كما هي عادتهم ، ليكونوا مرة أخرى ، رمزا عظيما للكرامة والعزة العربية والإسلامية .. لله درّك يا غزة ..