19-07-2014 09:44 AM
بقلم : د. منتصر بركات الزعبي
خابَ الرِجَـــــالُ وهَا أنَـــــــــــــا أَدعُو النِسَاءَ لِيَسْتَجِبْنَ كَلامِي
أفتاةُ قَومِي إنَّ قَومَكِ أَصْبحُـــــوا يومَ الجِهادِ رَذالَةُ الأقــــــوَامِ
فإنْ استَطعْتِ فَكَفِرِي عنْ عارِهمْ أوْ لا كَمَا نَامَ الرِجَالُ فنَامِـي
أفتاةُ قومِي عَوِّضِي إنْ تقـدِري عمَّا جنَى الجُبَناءُ مِنْ آثــــامِ
لمْ يَبْقَ مِنْ آسادِ قومِكِ ذائِـــــــدٌ عنْ غابهِ إذا دِيسَ بالأَقـــدَامِ
إنَّ الرِجَالَ مِنَ الرُجولَةِ بُدِّلُــــوا ضَعفُ النِساءِ وَخِفّةُ الأحْلامِ
سِيقُوا إلى الدَرْكِ الأذَلِّ فمَا شَكَوا جُورَا ولا انتقَموا مِنَ الظُلاَّمِ
يا لِلْمَـذَلَّةِ لمْ يَعُــــــدْ في أُمّتِـــــي رَجُلٌ لِأعرَاضِ العُروبةِ حامِي
إنَّ للمرأةِ في تاريخِ العربِ والمسلمينَ بَصمةٌ مِنْ نورٍ ،واستطاعَتْ أنْ تُثِيَر الهِممَ والنخوةَ ،وأنْ تُوقِظَ النفوسَ التي امتدَّ بها التخاذلُ والخنوعُ حتّى كادَ يكونُ موتًا ،كي تفهمَ هذهِ الشخوصُ التي تَجِيءُ وتذهبُ كأحجارٍ في ألعوبةِ الشطرنجِ ،أنَّ الحياةَ ليستْ بطنًا يُمْلَأُ ،أو كِرشًا يندلقُ أمامَ صاحِبِهِ ،أو شهوةً تُقضَى ،أو مالاً يُجمعُ ،ولكنَّ الحياةَ :المجدُ وجلائلُ الأعمالِ ،ومعرفةُ حقِّ الوطنِ .
ويذكرُ التاريخُ أمجادًا صنعَها العظماءُ في ظروفٍ مشابهةٍ لظروفِنا التِي نعِيشُها مِنَ الذلِّ والمهانةِ ،فلمْ يستكِينوا ولمْ يَهِنوا ،فثاروا في وجهِ الظلمِ ،وثأروا لكرامتِهم ،وطردوا عدوَّهم ،واستعادوا أرضَهم المَسلوبَةَ.
وممّا ذكرهُ المَرحومُ - بإذنِ اللهِ - الشيخُ علي الطنطاوِيّ في كِتابِه الرائع - قِصَصٌ مِنَ التاريخِ - قِصَّةٌ تُجَسِّدُ واقعَنَا المؤلمَ والمُعِيبَ ،تحكِي المأساةَ التِي تعيشُها الشعوبُ العربيّةُ معَ أنظمتِها المتخاذلةِ ،عنْ فتاةٍ اسمها ميسون، وكانَ ذلكَ في يومٍ مِن أيامِ سنةِ 607هجريةٍ عندَما كانتْ دمشقُ تُصارعُ دهرَها الغاشمَ ،الذي رمَاها بقاصمةِ الصليبين الأشرارِ ،فنزلوا عليها نزولَ البلاءِ ،أرادتْ هذهِ الفتاةُ أنْ تُوقِدَ النارَ في أعصابِ هؤلاءِ المتخاذِلِينَ ،الذين لا يزالونَ يروحونَ ويغدونَ على متاجرِهم وأعمالِهم التي أنْسَتْهُمْ أيامَ المجدِ والحريّةِ ،فمَا كانَ مِنْها إلّا أنْ دعَتْ جاراتِها إلى اجتماعِ طارئٍ ،وكانَ ممّا قالتْ لهنِّ :إنّنَا لمْ نُخْلَقْ رجالًا نحملُ السيوفَ ،ونقودُ الجيوشَ ،ولكنّا إذا جَبُنَ الرجالُ ،لمْ نعجزْ عنْ عملِ ،وهذا شَعْرِي أثمنُ ما أملكُ ،أنزلُ عنهُ ،أجعلُهُ قيدًا لفرسٍ تُقاتِلُ في سبيلِ اللهِ ،لَعلِّي أُحرِّكُ هؤلاءِ الأمواتِ.
وأخذتْ المِقَصّ فجزَّت شَعرَها ،وصنعَ الفتياتُ صُنْعَهَا ،ثمَّ جلسْنَ يُضَفِرْنَهُ لُجُمًا وقيودًا لخيلِ المعرَكةِ العابِسةِ ،لا يُضَفِرْنَهُ ليومِ الزفافِ ،ولا لليلةِ العرسِ ،أرسلْنَ هذهِ القيودِ والُلجُمْ ،إلى خطيبِ (الجامِعِ الأُمَوِيّ) سِبْطُ بنُ الجَوزِيّ العظيم ،فَحمَلَهُ إلى الجامِعِ الأُمَوِيّ يومَ الجُمعةِ ،وقَعدَ في المَقصورةِ ،وقدْ زلزَلَتْهُ الحماسةُ فمَا يستقرُّ ،ونَفِدَ مِنهُ الصبرُ ،فمَا يدري أيَّانَ يَصعدُ المِنبَرُ ،فمَا آنَ الأوانُ حتّى أسرعَ بالصعودِ ،وجلسَ وهذهِ الُلجُمُ وهذهِ القيودُ بينَ يديه ،والدمْعُ يترقرقُ في عينيهِ ووجهُهُ ممتقعٌ شاحبٌ ،والناسُ يَلحظون ذلكَ كلَّهُ ،وينظرُ بعضُهم في وجوهِ البعضِ ،فلمّا انتهى الأذانُ قامَ فتكلّمَ ،خطبَ خطبةً حروفُها مِن نارٍ ،تلذعُ الأكبادَ وتشدُّ الأعصابَ وتجذبُ الأرواحَ وكانَ ممَّا قالَ:يا مَنْ أمرَهُم دينُهم بالجهادِ حتّى يفتحوا العالمَ ،ويَهدوا البشرَ إلى دينِهم ،فقَعَدوا حتّى فتحَ العدوُّ بلادَهم ،وفَتنَهم عنْ دِينِهم ،يا مَنْ حكَم أجدادُهم بالحقِّ أقطارَ الأرضِ ،وحكَمُوا همْ بالباطِلِ في ديارِهم وأوطانِهم! يا مَن باعَ أجدادُهم نفوسَهم مِنَ اللهِ بأنَّ لهمْ الجَنّة ،وباعوا هم الجنّةَ بأطماعِ نفوسٍ صغيرةٍ ،و لذائذَ حياةٍ ذليلةٍ !.
يا أيُّها الناسُ:ما لكمْ نَسيتُم دينَكم ،وتركتُم عِزَّتَكم ،وقعدْتُم عن نَصِرِ اللهِ فلمْ ينْصُرْكُم ،وحَسِبْتُم أنَّ العِزّةَ لِلمُشرِكِ ،وقدْ جعلَ اللهُ العِزّة للهِ ولرسولِهِ ولِلمؤمِنين.
يا وَيْحَكُمْ أمَا يُؤلِمُكُم ويُشجِي نُفوسَكم مَرأى عدوِّ اللهِ وعَدُوِّكُم ،يَخطُرُ على أرضِكُم ،التِي سقَاها بالدماءِ أباؤكم ،يُذِلُّكُم ويَتعبَدُكُم ،وأنتمْ كنتُم سادةَ الدنيّا ؟!
أمَا يَهزُّ قلُوبَكم ،ويُنَمِّي حماسَتَكم ،أنَّ إخوانًا لكمْ ،قدْ أحاطَ بهمْ العدوُّ ،وسامَهم ألوانَ الخسفِ؟!
أمَا في البلدِ عربِيّ؟ أمَا في البلدِ مسلمٌ؟ أمَا في البلدِ إنسانٌ؟
العربِيُّ ينتصرُ للعربِيِّ ! والمسلمُ يُعينُ المسلمُ !والإنسانُ يرحمُ الإنسانَ.
فمَنْ لمْ يَهبّْ لنصرةِ فِلَسطينَ ،لا يكونُ عربيًا ولا مسلمًا ولا إنسانًا!! "للهِ درُّكَ يا ابنَ الجوزيِّ!!"
يا أيّها الناسُ :إنّها دارتْ رَحَى الحربِ ،ونادي مُنادِي الجهادِ ،وتفتّحتْ أبوابُ السماءِ ،فإنْ لمْ تكونوا مِنْ فرسانِ الحربِ ،فافسحوا الطريقَ للنساءِ يُدِرنَ رحَاها ،واذهبوا فَخذوا المَجامِرَ والمكاحِل! يا نساءُ بعمائمَ ولِحَى!أو لا فإلى الخيولِ وهاكُم لُجمَها وقيودَها .
يا ناسُ :أتدرونَ مِمّ صُنعت هذهِ اللجمُ وهذهِ القيودُ .؟لقدْ صَنعها النساءُ مِن شعورِهنَّ ،لأنّهنَّ لا يملِكْنَ شيئًا غيرَها ،يُساعدْنَ بهِ فلسطينَ ،هذهِ واللهِ ضفائرُ المخدّراتِ ،التِي لمْ تكنْ تبصرُها عينُ الشمسِ ،صيانةً وحفظًا ،قطَعنَها لأنّ تاريخَ الحبِّ قدْ انتهَى ،وابتدأَ تاريخُ الحربِ المقدّسةِ ،فإذا لمْ تقدِروا على الخيلِ ،تقيّدُونَها بها ،فخذوها فاجعلُوها ذوائبَ لكمْ وضفائرَ ،إنّها مِن شعورِ النِساءِ ،ألمْ يَبقَ في نفوسِكُم شعورٌ؟!وألقاها مِن فوقِ المِنبَرِ على رؤوسِ الناسِ ،وصرخَ :(تَصدَّعِي يا قبةَ النَسْرِ ،ومِيدِي يا عمَدَ المَسجِدِ ،وانقضي يا رُجوم ،لقدْ أضاعَ الرِجالُ رُجولَتَهم !!!)
فصاحَ الناسُ صيحةً واحدةً ما سُمِعَ مثلُها ،ووثبوا يطلبونَ الموتَ ،فكانَ التحريرُ وكانَ النصرُ.
Montaser1956@hotmail.com