19-07-2014 09:52 AM
بقلم : الأب عماد الطوال
التصوير بجزئية منه هو فن التقاط الجمال من حولنا، كما أنه انعكاس للجمالية الداخلية في البحث عن الجمال في الأخر، ففي التصوير غير الذاتي (اللاسلفي) تشاركيه تثق بأن الأخر سيرى بعينك وسيلتقط الجمال الذي تريده من المشهد، أما اليوم فقد أضحى السلفي (Selfie) ظاهرة تصويرية شبابيه خاصة عامه عالمية، تعززت ملامح هذا الاصطلاح المعاصر بقوة عام 2013 عندما نالت- كلمة العام- حسب الموقع الالكتروني لقواميس أكسفورد، فتصوير نفسك بنفسك هو المعنى الخاص للمصطلح، معنى ينفي الحاجة إلى تكليف الآخرين للقيام بذلك بحسب المعتاد، أو إزعاجهم بمهمة تصويرك في موقف ما، أو حتى طلب تلك المهمة كخدمة بسيطة منهم، في هذا الأسلوب نحن نعكس حالة لا مباشره قد تكون مقصودة أو غير مقصوده من الانسلاخ أو التخلي أو لربما التحرر أو حتى الإنعتاق من التشاركية والذهاب إلى الذات الفردية، فالصورة التي يلتقطها المستخدم لنفسه بواسطة هاتفه الخلوي أو كاميرته الرقمية وينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، حقيقة وواقع معاصر ويومي.
لنقف الآن على تلك الظاهرة ونعيد قراءتها من منظور تربوي اجتماعي.
مؤخراً تزداد حالة من الذاتية والانفرادية والوحدوية والأنا في شتى المجالات: نراها في نطاق الأسرة وعدم جلوسهم مع بعض وإنما كلٌ وجهازه الالكتروني، فسادت حالة من الخصوصية غير المبررة وعدم التشاركيه في الحياة العائلية، فالتلاحم الأسري يتلاشى شيئاً فشيئاً، العمل الفردي أصبح مفضلاً، السكن المنفرد والخروج عن إطار العائلة أصبح مطلباً، الخدمة الذاتية في الشركات والمحلات وتقليص العمالة أصبحت حالة دارجة، والتكنولوجيا بديل الأيدي العاملة وهكذا.
فالـ Selfieتعني أنني لست بحاجة لك وذاتي يكفيني، واهتماماتي بنفسي وذاتي تفوق الآخر، فلم يعد هناك متسع ضمن تلك الظاهرة لمعاني التعاون والفرح الجماعي المتبادل والمشترك، فكيف يتأتى ذلك وأنا أركّز على ذاتي أكثر من الآخر، فالسلفي تمثل حالة من الاستحواذية وأنني ولا غيري هنا.
قد يكون التصوير هو فرصة يقتنصها الفرد لتذوق الجمال في الآخر تعبيراً عن حالة إعجاب بمقدار هذا الجمال سواء أكان في مناظر طبيعية أو مشاهد جماعية تذكاريه يلتقطها الفرد ليحمّل الذاكرة الفردية ذكريات تبادلها مع زمان ما أو مكان ما أو حدثٍ معين أو فردٍ مميز أو جماعه مؤثره، فالتصوير إن جاز التعبير هو تمثيل ما أحببناه من جمال في الآخر بصور فنية التقطناها بالنظر إليه والتركيز عليه والتفكير به والتفاعل معه وحمل صورته بتصويره (تصوير الأخر أو إعطاء الآخر فرصة لتصويرنا بالمقابل) على عكس ما يحدث الآن من تصوير ذاتي الذي لا يعكس إلا الأنا الطاغية في عالمنا اليوم عالم السلفي.
لقد صهر التصوير السلفي المجتمع وذوب أُطر التواصل والاتصال والتفاعل الفعال الهادف ففقدنا شعور الحاجة للآخر في أبسط أمور الحياة وهو التصوير والذي في جوهره يعكس خطراً تربوياً معاصراً، فهذه الظاهرة الفنية الممتعة للشباب المعاصر ظاهرة الـ selfie قد تتحول إلى "نرجسية" تؤدي بالفرد للانعزال والانسلاخ لاعتقاده بأن لا مثيل له، وعلى الرغم من الإبداعات التكنولوجية وفنية الصور الملتقطة بعفويه إلا أن تكرارية هذا الأسلوب قد تقود لحاله من الانزلاق الأخلاقي متمثلة في حب الذات والغرور والتعالي والشعور بالأهمية ومحاولة الكسب ولو على حساب الآخرين، الأنانية وحب المظهر الخارجي ومحاولة إبراز صورة شكليه مزيفة تختلف كل الاختلاف عن ما يتضمنه الجوهر وذلك بمحاولات التصور الذاتي المفتعل.
فالذات علم قائم بحد ذاته ودراسة الذات والبحث عن الذات والهوية هو من الاهتمامات التربوية التي تعود للعصور اليونانية والفلسفات الهلينية، تم دراستها لإبراز أهمية الذات وذات الآخر لتوضيح مخاطر التقوقع على الذات وتهميش وإلغاء الآخر، ما يحدث الآن ضمن ظاهرة السلفي هو خطر غير مباشر يداهم تماسك مجتمعاتنا وعالمنا إن جاز القول.
فضمن التطورات والجهود العالمية المبذولة لعولمة ما يمكن عولمته وتذويب الحواجز وتحويل العالم لقرية صغيره يأتي الخروج من الذات كمتطلب أساس للعمل مع الآخر والاهتمام به والشعور معه والمشاركة الإنسانية لبناء عالم أفضل، عالم يحتاج لعدسة تنظر وتستكشف الخارج ولا تحدد بصوره شخصية لا تمثل حتى الداخل، صورة مزيفه للذات (ال ـself).
والآن لننطلق بنظرة ايجابية لظاهرة (السلفي) ونجعل منها نقلة في عالم اليوم ((S.E.L.F.I.E. دعونا نفكر بهذه الكلمة، نتصور دواتنا من خلالها في عالم جديد يحفزنا لنبحث داخلياً وخارجياً ماذا ستكون؟؟
1. Secure : كيف نعيش الأمان والاطمئنان؟
2. Empowered : متحفزين للتقدم والتطور والنجاح
3. : Life- focused نظرة شموليه جماعية للحياة
4. :Functional العيش بمهنية وواقعية هادفة
5. :Inspired and Educated ملهمين و تربويين
وبهذه الصورة الجديدة اللانمطية تنتقل SELFIE من النرجسية الذاتية للذات إلى ذاتي وذاتك أنا و أنت في سبيل عالم منفتح وحر متحرر من الانغلاق، عالم إنساني وتشاركي.