27-07-2014 12:12 AM
سرايا - سرايا - تسجل مختارات لعميد الادب العربي طه حسين مواقفه من قضايا اجتماعية وفكرية وسياسية ومنها موقفه من ثورة 1952 التي أنهت الحكم الملكي ومن زعيمها جمال عبد الناصر الذي احتفى به عبر ترسيخ مصطلح "الناصريزم" قائلا ان اسم عبد الناصر يدل "على علة مفسدة" لتفكير الغرب وان مصر حين تثور تتبعها دول عربية أخرى.
ويتزامن صدور المختارات مع احتفال مصر بثورة 23 تموز (يوليو) 1952 التي أنهت حكم أسرة محمد علي بمغادرة الملك فاروق للبلاد في مثل هذا اليوم "26 يوليو 1952". وفي البداية لم يطلق الضباط الاحرار على ما فعلوه كلمة "ثورة" وانما "الحركة المباركة" ولكن طه حسين أطلق عليها مصطلح "الثورة" في مقال نشر بعد 13 يوما.
ففي الخامس من آب (أغسطس) 1952 نشر مقالا قال فيه ان مصر أصبحت تملأ الدنيا وتشغل الناس وانه "فخور ومعجب بأن مصر قد ضربت للعالم الحديث مثلا رائعا بثورتها هذه التي جمعت بين الهدوء الذي يملؤه الوقار والجلال وبين العنف الحازم النقي الذي يحطم الظلم ويرسل ملكا الى منفاه دون أن يسفك قطرة من دم".
ويسجل أن كثيرا من الصحف الفرنسية "لا تستطيع أن تخفي اشفاقها من الثورة المصرية.. لانها تخشى أن تكون الثورة المصرية مثلا لثورات أخرى تحدث في بلاد أخرى" حيث بدأ الفرنسيون يواجهون صعوبات حين "نهضت تونس تقاوم" وكذلك المغرب انطلاقا من ارتباط شرطي "فاذا زال النفوذ البريطاني من مصر كان زواله ايذانا بزوال النفوذ الفرنسي" من شمال افريقيا.
ويقول ان "هذه الثورة المباركة التي ردت الى مصر كرامتها وشرفها في وقار وأناة ونالت بذلك اعجاب العالم الخارجي قد ردت الى المصريين ثقتهم بوطنهم"، ومنحتهم التفاؤل بحياة أكثر كرامة.
والمقالات التي اختارها الشاعر حسن طلب يضمها كتاب عنوانه "طه حسين.. ثورة حية وحياة ثائرة.. خلاصة المقالات 1910-1964" ويقع في 159 صفحة متوسطة القطع وصدر هدية مع مجلة "ابداع" الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
وكان طه حسين /1889-1973/ الذي تخرج في جامعة الازهر أول من حصل على درجة الدكتوراه في الجامعة المصرية العام 1914 وسافر في العام نفسه الى فرنسا لدراسة العلوم الاجتماعية والفلسفية ونال الدكتوراه من جامعة السوربون عام 1918 في الفلسفة الاجتماعية لمؤسس علم الاجتماع عبد الرحمن ابن خلدون. ثم تولى تدريس التاريخ والادب بالجامعة المصرية في 1919 وفي العام 1930 أصبح عميدا لكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول "القاهرة الان".
وتحت "ثورة حية وحياة ثائرة" كرر طه حسين أكثر من مرة أنه يريد "أن تكون ثورتنا حية وأن تكون حياتنا ثائرة".
واستعرض جوانب مما يراه حياة ثائرة ومنها "أن يدفع المصريون الى نشاط قوي عنيف لا يستريحون منه الا حين يضطرون الى النوم ساعات في كل يوم وأن يكون النشاط متنوعا... يمس الموظف في ديوانه والعالم في مكتبه أو معمله والزارع في حقله والعامل في مصنعه... أريد ألا يفرغ المصريون لانفسهم وألا تفرغ لهم أنفسهم... ولست أعرف شيئا أخطر على الثورة ولا أضر بها.. من فراغ الناس لانفسهم".
وفي فصل عنوانه "الناصريزم" يرجع الى أغسطس 1957 في العام التالي للعدوان الثلاثي الفرنسي-البريطاني-الاسرائيلي على مصر يقول ان الغرب نحت مصطلح "ناصريزم" للاستهانة بما يحاول عبد الناصر تحقيقه فأي انجاز "بغيض بالطبع الى الغرب الاوروبي والامريكي... ونفوس الغربيين وساستهم خاصة مصابة بداء في هذه الايام يأتيهم من رئيس الجمهورية المصرية.. ففي قلوبهم مرض هو بغض جمال عبد الناصر وفي عقولهم مرض هو اتهام جمال عبد الناصر"، مضيفا أن عبد الناصر سبب ما يصيب فرنسا وبريطانيا من اضطراب وثورة في مستعمراتهما البعيدة من البحرين الى الجزائر.
ويرى أن اسم عبد الناصر أصبح "علة تنغص على ساسة الغرب حياتهم... علة مفسدة لتفكير الغرب وحكمه على كثير من الاشياء" اذ يتهمونه حين أيد الثورة الجزائرية بمحاولة تأسيس "الامبراطورية المصرية" وليس مناصرة شعب في نيل استقلاله وهو ما اعتبره طه حسين نوعا من "الهذيان" والسخف.
وفي فصل عنوانه "العقل المصري" كتب العام 1930 يشدد طه حسين على اصلاح مناهج التعليم وبرامجه "ولكن الغريب أنها "الحكومة" تصلح في الالفاظ والنظريات ولا تحاول أن تصلح جوهر التعليم ولا تفكر في هذه الفروق العقلية العنيفة التي تقسم الامة الواحدة الى فرق متمايزة والتي يجب أن تزال وأن تقوم مقامها وحدة عقلية" حيث ما زال التعليم المصري الى اليوم جزرا منعزلة بين تعليم ديني أزهري ومدني حكومي وخاص وأجنبي.