27-07-2014 06:48 PM
سرايا - سرايا - لعل الكلمات البسيطة التي تخرج من الإنسان بطريقة عفوية والتي تنم عن الواقع ، قد تكون تخرج من الإحساس الكامن داخل القلب دون معرفة الشخص نفسه بأنها ستطبق عليه .
" شهيد يوصل شهيد " كانت هذه ابرز الكلمات التي قالها الشهيد عبدالله البحيصى قبل أيام معدودة من استشهاده ، خلال مشاركته في جنازة الشهيد عبد العزيز أبو زعيتر والذي يعتبر من جيرانه وأصدقائه ، بعد مشاركته في عملية نفذتها كتائب القسام شرق دير البلح برفقة خمس شبان آخرون واستشهدوا على الفور .
فخلال مشاركته البحيصى في الجنازة التقط له المصورون بعض الصور خلال التشييع في جنازة أبو زعيتر ، وتناقل بعض أصدقائه حديثه خلال الجنازة عندما قال لهم ، " هذه هي حياتنا شهيد يوصل شهيد اليوم نشيع أبو زعيتر وغدا قد نشيع احد المشاركين " ، وبعد عدة أيام كان بالفعل الشهيد عبدالله هو التالي بعد أبو زعيتر مباشرة ، ليصدق قوله " ويحمل على الأكتاف بين أقاربه وأصدقائه .
وبدأت تفاصيل الجريمة قبل عدة أيام حينما جلس عبدالله برفقة شقيقه حسن وحكم على سطح منزلهم المكون من طابقين ، لمتابعة أخبار العدوان الاسرائيلى على قطاع غزة وهربا من الحر نتيجة انقطاع الكهرباء المتواصل على قطاع غزة .
مرت الدقائق سريعة على سطح المنزل في الجلسة العائلية ، ليغادرهم شقيقه الأصغر حكم متوجها لمتابعة ما يجرى في الشارع أسفل منزلهم ، واستمر الشهيد برفقة أخيه حسن يستمعون الأخبار ، وبعد نصف ساعة التحق حسن بشقيقه حكم .
ولعل الله أراد أن يرتقى شهيد واحد وان ينجو بقية الأسرة ، حيث يعتبر الشابين الذين غادروا الجلسة هم الوحيدون المتبقين من الأسرة ، وبعد ابتعاد الشقيق الأكبر حسن عن شقيقه عبدالله مسافة قصيرة متوجها إلى بيت الدرج ليبدأ النزول للأسفل ، ليسقط صاروخ مفاجئ على سطح المنزل ويرتقى عبدالله شهيدا ، ثم يخترق الصاروخ سطح المنزل الباطون منفجرا في الغرفة المتواجدة أسفل الشهيد محدثة بعض الجروح بوالدته .
وبدأ الأسرة والجيران في عملية البحث وسط الدخان الكثيف والركام عن الناجين وإخراج الشهيد من داخل المنزل بصعوبة .
ومن هذه الأسرة خرج الشهيد عمر البحيصى الذي استشهد عام 2001 ، مطلع الانتفاضة الثانية بعد دخول شارون للمسجد الأقصى ، حيث يعتبر عمر هو الشهيد الأول في دير البلح منذ انطلاقة هذه الانتفاضة وهو البكر لأهله حيث كان يدرس في الصف الأول الثانوي ، وقد استشهد خلال مشاركته في المواجهات التي دارت مع قوات الاحتلال قرب مستوطنة كفارداروم في دير البلح ، وعاشت الأم لحظات الحزن الطويلة على فراق ابنها البكر حتى يومنا هذا .
وكان والدهم المرحوم إسماعيل البحيصى والذي يعتبر من المؤسسين في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، قد توفى قبل عدة سنوات في العشر الأواخر من شهر رمضان ، وكان يرتبط بعلاقة أخوة وصداقة قوية مع ابنه الشهيد عبدالله ، حيث كان يرافقه طوال اليوم في تحركاته ، ليرتقى اليوم عبدالله شهيدا وفى العشر الأواخر من رمضان مثل والده الذي ارتبط به روحيا .
وفى إفادة أم الشهيد أم عمر البحيصى قالت أنها قبل حدوث الانفجار واستهداف ابنها عبدالله جاءها في المنام ابنها الشهيد الأول عمر قائلا لها " ابعثيلى عبدالله " ، فردت عليه ضاحكة " خذ حسن لأنه صاحبك وحبيبك " وخاصة أن حسن يلي الشهيد عمر مباشرة في ترتيبه بين الأبناء ، فأجابها الشهيد " لا ابعثيلى عبدالله " ، وانقطع الحلم على الفور بصوت الصاروخ الذي جاء سريعا ليرتقى عبدالله شهيدا ويتحقق الحلم ويلتقي عبدالله بشقيقه عمر الذي غاب عنه 13 عاما في الجنة .
وقد لاحظ أصدقاء وجيران الشهيد عبدالله تميزه في يوم استشهاده ، حيث قام مبكرا من نومه وارتدى ملابس جديدة وجميلة وكأنها حلاوة الروح ليرتقى بأجمل وجه ، وقام بحلق شعره وذقنه وسار في شارعهم عدة مرات وكأنه يودعهم ، وقد تزوج عبدالله قبل عام تقريبا من شابة من عائلة سلمان .
وارتسمت ملامح الحزن من جديد على ملامح أم الشهيد التي ما زالت تحمل الألم بفقدان ابنها وزوجها سابقا ، لتضيف إليهم ابنها عبدالله .
وقد شيع ألاف الشباب من أصدقاء وأقارب الشهيد عبدالله في موكب جنائزي مهيب من منزله في منطقة حي السلام وسط الدير البلح ، موشحا بأعلام حركة الجهاد الاسلامى .