بقلم : أحمد محمود سعيد
إبتدأت محنة العالم العربي الحديث منذ نهايات القرن التاسع عشر وقبل سقوط الإمبراطوريّة العثمانيّة المسلمة ونشط الصهاينة في تلك المؤامرة قبل بداية القرن العشرين حيث بدأوا وبمساعدة الدول المستعمرة وخاصّة المملكة المتّحدة لتأسيس الكيان الصهيوني على الأرض العربيّة وكان ذلك بمثابة إنطلاق الصراع التاريخي والجغرافي والديني بين المسلمين ممثلين بالعرب واليهود ممثلين بالصهاينة .
وهكذا عاش العرب بجهل وارتكاب الخطأ تلو الخطأ ودبّت الخلافات البينيّة العربيّة وتمّ إلهاء الشعوب العربيّة بخلافات حكّامهم تارة والإنقلابات تارة اخرى حتّى ظنّت الشعوب وبعض الحكّام انّهم يخدمون القوميّة العربيّة او نضال العمّال والطبقة الكادحة ولكنّهم فعلا كانوا يخدمون المشروع الصهيوني العدو الظاهر لهم كما انهم يعمِّقون ويكرِّسون الجهل وهو العدوّْ المخفي في عقولهم وصدورهم .
وبدأت اول بروفة عمليّة في الخلاف البيني الإسلامي الفارسي العربي او الشيعي السنّي في عام 1980 وكان للامريكان وحلفاؤهم الصهاينة ما ارادوا إذ انهك البلدان ودمّرا قوّتي بعضهما وما ان انتهت الحرب عام 1988 والتي تخلّل فترتها الكثير من المحطّات ومنها خروج المقاومة الفلسطينيّة من لبنان واحتلال الصهاينة لجنوبه واندلاع الإنتفاضة الفلسطينيّة الاولى والحرب اللبنانيّة الداخلية وقيام حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان وغيرها من المحطّات الأخرى مثل احتلال الجيش السوري للبنان بتفويض عربي .
وكان اليوم الثاني من آب عام 1990 هي بداية المؤامرة الفعليّة في القرن العشربن على العرب اجمعين وقد اختارت امريكا بلدين سنِّيّين عربيّين احدهما كبير هو العراق للتخلّص من تراثه وقوّاته وكسر عنفوانه أمّا الصهاينة فأعتقدوا انهم ينتقمون من القائد الكلداني نبوخذ نصّر الثاني لإعتقادهم انّه هدمر الهيكل المزعوم والذي كان قد انتصر على الأشوريّون والفراعنة وانتقم من اليهود على فعلتهم قتل سيّدنا يحيى عليه السلام .
وأمّا البلد الثاني فهو الكويت بلد عربيّ صغير يملك ثروات نفطيّة هائلة ولا يملك قوّة عسكريّة يدافع بها عن نفسه وهكذا اختار الأمريكان والصهاينة امرأة لتشعل النار وقامت بدورها خير قيام واحتلّ الجيش العراقي بأمر قيادة مغرورة الكويت البلد الجار دون مقاومة تُذكر وقامت امريكا بتحرير الكويت بعد ستّة اشهر فاستفادت في الإحتلال واستفادت في التحرير خاصّة انّها كانت في ضائقة إقتصاديّة وهكذا فُتحت ملفّات لم يكن لها ان تُفتح دون حصول هذا الإحتلال والتحرير واهمُّها بداية التفاوض السلمي المباشر حول القضيّة الفلسطينيّة وكانت اوسلوا وكانت انفاقيّة وادي عربة وكلاهما عزّز اتفاقيّة كامب ديفيد بين مصر واسرائيل .
وبدأت بعدها إسرائيل باللعب على الحبال بشكل مريح لها لتصبّ كل النتائج لمصلحتها وخاصّة خلال مراحل التفاوض التي قادها الراحل ابو عمّار والذي قتله الصهاينة بعد ان استنفذوا ما يريدون منه .
وإستمرارا لمراحل المؤامرة جيّشت امريكا بإشراك جروها بريطانيا في شن حرب أمميّة ضد العراق بأكاذيب واهية من سلاح دمار شامل الى اختراق برامج الامم المتّحدة الدواء مقابل الغذاء الى غير ذلك وفرضت عليه عقوبات ظالمة حسب البند السابع للمنظمّة الدوليّة حتى كانت مسرحيّة الإرهاب ومكافحته بعد الإستغناء عن البرجين والعديد من القتلى وبدأت التصفيات في عدّة بلدان إسلاميّة وعربيّة وزج الابرياء في معتقل غوانتينامو بعد ان شهدنا الفظائع التي مارسها المارينز في سجن ابو غريب.
وكانت تلك الفترة شهدت الإنتفاضة الفلسطينيّة الثانية وزيادة قوّة حماس خاصّة في غزّة كما قتلت إسرائيل الكثير من المقاومين السياسيّين والميدانيّين كما انسحبت من الجنوب اللبناني تاركة حزب الله يستمتع بالنصر .
وقد حصلت تغيّرات في قيادات بعض الدول العربيّة بموت زعمائها ومنها الأردن وسوريا والبحرين وفلسطين والسعوديّة وغيرها وهكذا بدأ اللعب على وتر التقسيم علانية خاصّة على المحور العراقي ما بين اكراد وشيعة وسنّة وغيرهم .
وما ان اقتربت الذكرى المئويّة لإتفاقيّة سايكس بيكو حتّى اتّخذت المؤامرة الصهيونيّة منحى آخر فقرّرت وامريكا ان يكون الفصل القادم بمشاركة الشعوب في عمليّة التغيير والإصلاح وكانت البداية إفريقيّة في تونس ومصر وليبيا وسميت هذه المرحلة الربيع العربي .
وما زالت تلك المرحلة تحثُّ الخطى نحو تكريس غزّة كدولة فلسطينيّة منزوعة السلاح محدودة الموارد مرتبطة عضويّا مع اسرائيل وتفتيت الملكيّات في الضفّة الغربية ضمن ترتيب معين كروابط القرى قديما او مع الاردن مع المحافظة على منطقة محظورة في غور الاردن وحكما إداريّا محدودا للبلدات الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة لنهر الأردن , وكذلك يرضى الامريكان لتحقّق مشروع الدولتين لتحفظ امريكا وجهها امام حلفائها الأوروبيّين والذي اشار اليه أوباما قبل ايام حيث قال بان تحقيق مشروع الدولتين قد تأخّر كثيرا , ويتحقّق حلم اسرائيل بإخراج غزّة غير التوراتيّة بمفهومهم بعد تقليم أظافرها وتكون حافظت على أمنها عشرات السنين على الأقل كما يرتاح الحكّام العرب ويقضون بقيّة سنوات حكمهم بهدوء وراحة بعد ان يتخلّصوا من إحراج شعوبهم .