بقلم :
من يتابع المشهد العربي المعاصر وما يجري فيه من مجريات وأحداث يجد أن كل فتن الدنيا تموج فيه بصورة اختلط فيها الحابل بالنابل ، وأصبح فيها الحليم حيراناً ، وحالها كظلمات بعضها فوق بعض ، ضاعت فيها البوصلة ، وتاهت فيها العقول ، واضطربت فيها الأحوال ، وكلما كادت الأمور تنفرج عادت أكثر ظلمة وغموضاً ، وقد اختلط فيها البعد السياسي بالديني مع الأبعاد العالمية والإقليمية والطائفية والجهوية وغيرها ، فالفتن السياسية وصراعات النخب وأصحاب الكراسي تطفو على السطح يحركها الهوى والمصالح ، والبحث عن مكاسب ولو على أشلاء المستضعفين، كما تحركها الأيدي الخفية التي تخلط الأوراق لمصالحها في الوقت والمكان الذي تشاء .
ومن يتابع المشهد السياسي برمته يدرك حقيقة هذه الفتن التي يوظف فيها الدين ، وتوظف فيها السياسة ، ويوظف فيها الإعلام ، ويوظف فيها المال والسلاح والنساء والرجال، ويوظف فيها التابع والمتبوع ، وكل هذا يتم من الخارج والداخل على السواء ، فلا يمكن إنكار دور الداخل ، ولا يمكن إنكار دور الخارج في كل ما يجري من فتن ، الخاسر الأكبر فيها صاحب العقل والمواطن الشريف الغيور ، وصاحب المبدأ الذي ينطلق من ثوابته ، وقد انعكس هذا المشهد سلباً على المجتمعات العربية على كافة المستويات الأمنية ،والتنموية ، والثقافية ، والمنجزات الحضارية المختلفة ، وعلى مستوى التعايش بين فئات المجتمعات المتنوعة والمتعددة عرقياً وأثنيا ،وثقافيا ومذهبياً وطائفياً ، وعلى مستوى العلاقات مع الآخرين التي تخضع لمعايير الاستقرار والاستثمار .
لكن أبرز من يقف وراء هذه الفتن عدة عوامل خارجية منها كثرة الأعداء المتربصين بالأمة عبر جعلها مستهدفة بعدم الاستقرار للمحافظة على مصالحهم ، ونهب خيراتها ، ومصادرة إرادتها لتبقى رهينة بمشاريعهم ومخططاتهم ، وهناك العوامل الداخلية المتمثلة بالصراعات والحروب والخلافات الطائفية والمذهبية وربط مصالحها بالداخل والخارج ، ودور وسائل الإعلام ، إضافة إلى توظيف الفتاوى الدينية ، وعوامل الجهل والتخلف ، وطبيعة العقلية العربية التي تخدم أعداء الخارج والداخل ، والمخرج من كل هذه الفتن زيادة الوعي بخطورة الواقع والتعامل بالعقل والحكمة والبعد عن الصراعات واعتزال كل ما شأنه أن يزيد من الفتن والصراعات .