12-08-2014 09:10 AM
سرايا - سرايا - من تحت الركام تموت غزة ومن بين الركام تنجب غزة, في الشوارع في المدارس في السيارات في المستشفيات مازالت غزة تضع أطفالها, في شهر الموت ها هي غزة تنجب الطبيبة والصحافي والمحامية والشرطي والمعلمة والعامل ولا تنسى قضيتها فتنجبريشة فنانة وبندقية مقاوم.
1941 شهيد بينهم 450 طفل في شهر الموت الغزاوي
أكثر من شهر على العدوان مر بالقتل والخراب والدمار على الشعب الفلسطيني, فإلى هذه اللحظة رحل من غزة ما يقارب الـ1941 شهيد بينهم 450 طفل , ولأنها غزة "الولادة" فإن التقديرات الاولية لوزارة الصحة تشير إلى أن المعدل الطبيعي للإنجاب في قطاع غزة يصل إلى ما يقارب الـ4500 طفل وطفلة شهرياً أي بمعدل 54 ألف سنوياً تقريباً.
فالوزارة أكدت بلسان ناطقها أشرف القدرة , أنها ستصدر تقرير مفصل بإحصائية دقيقة لعدد الأطفال المولودين منذ بداية العدوان إلى يومنا هذا, وأعاز إلى أن تأخر إصدار الإحصائية بسبب ضغط العمل الكبير في وقت العدوان .
لكن الأكيد, أن نسبة ولادة الذكور في شهر يوليو" شهر العدوان" بالذات ارتفعت عن نسبة ولادة الإناث ووصلت إلى 52% مقارنة بنسبة الإناث التي انخفضت إلى 48 % , وهذه تعتبر نسبة جديدة لم تسبق منذ فترة طويلة, لكن في المقابل فإن نسبة وفيات المواليد داخل قسم الحضانة في مستشفى الشفاء وصل خلال العدوان إلى 14.5% بعد أن كانت لا تتجاوز الـ7.1 % في الوضع الطبيعي وذلك بحسب ما أكده مستشفى الولادة بمجمع الشفاء الطبي.
حالة مزرية وأمراض معدية منها " أبو داج"
ففي مدرسة الأيوبية التابعة " للأونروا" في مخيم جباليا شمال القطاع, أكد أحد مشرفيها أن امرأة حامل لم يريد الإفصاح عن اسمها بسبب رحيلها , أنجبت طفلاً داخل أحد فصول المدرسة لم يتسن لها الذهاب للولادة في المستشفى بسبب صعوبة التنقل تحت قصف طيران الاحتلال, لتقوم بعدها بالاستحمام في حمام المدرسة محاولة ً بعد ذلك وبصعوبة البحث عن قطعة قماش تغطي بها جنينها المولود.
وفي جولة ميدانية لمدرسة أخرى والتي لا تبدو عليها أدنى مظاهر النظافة , فالمياه المتسخة المتبركة تجاور كل فصل وتحيط بكل آوي بالإضافة إلى القمامة المنتشرة هناك وهناك, وجدنا المواطنة مريم حمدان (28) عام وهي واحدة من اللواتي أنجبن خلال فترة الحرب تجلس على أحد الكراسي بجوار زوجها وكأنها تنتظر بفرجٍ يصحبها هي وطفلها الرضيع بعيداً عن هذا المأوى.
تقول مريم :" وأنا حامل بطفلي كنت أتشرد من بيت لبيت ومن مدرسة لمدرسة فقد كنت أعيش في بيت حانون وفي بداية العدوان هربت لبيت أهلي ثم هربنا من بيت أهلي إلى أحد مدارس بيت حانون ثم بدأ الاحتلال يقصفها ثم هربنا إلى أحد مدارس مخيم جباليا كي أجد مكان آمن لي ولطفلي , لا أعرف كيف بقي طفلي حياً ولم أجهضه ؟!
الخوف كان يملأ الجميع, فالقصف العنيف العشوائي جعل المواطنين ينتظرون لحظاتهم الأخيرة في هذه الدنيا, فما بال النساء الحوامل اللواتي كان ينتظرن اللحظات الاولى لحياة أطفالهن في هذه الدنيا المليئة بالموت والدمار والتشرد
وتتابع بغضب, أن بعد أربع 4 أيام أتاها "الطلق" فجأة الساعة السادسة صباحاً تحت القصف,و الرعب يكسوها من رأسها حتى أخمص قدميها بسبب القصف الإسرائيلي على المدنيين,مشيرةً إلى أن الأطباء اكتشفوا يوم ولادتها أنها تحمل مرضاً معدياً يسمى " أبو داج" نقل إليها بسبب انتشار الأمراض الوبائية داخل المدرسة و أن طفلها أحمد الذي لا يتجاوز عمره الـ14 يوم, عدي أيضاً بالإنفلونزا نتيجة انتشاره بين الأطفال, منوهةً أن فايروس"السحايا " أنهك الكثير منهم حيث أصابتهم بالنزلات المعوية والقيء والسخونة .
وأضافت " لا يوجد علاج في هذه المدرسة للأطفال , وطفلي لم يمنح إلا نصف كيس حفاضات وقمت بشراء الحليب له , ففي مثل هذه الظروف كيف أستطيع أن أوفر حياة كريمة لطفلي وزوجي لا يعمل الآن والظروف تزداد قسوة علينا وعليه, كيف سيعيش هذا الطفل؟!"
الطفل أحمد تمكن أن يخرج إلى هذه الحياة ويبصرها حتى لو كانت دماراً وركاماً لكن هناك ممن لم يتمكن من ذلك.
إحصائيات وأسباب
ليلى المشارفة,مديرة تمريض مستشفى الولادة بمجمع الشفاء الطبي, أكدت أن معدل الوفيات داخل قسم الحضانة وصل إلى 14.5% خلال العدوان بينما كان لا يتجاوز 7.1% في الوضع الطبيعي, موضحةً أن عدد وفيات الأطفال في قسم الحضانة وصل إلى 24 حالة في شهر يوليو بينما كان يصل في شهر يونيو السابق إلى 13 حالة وفاة, بالإضافة إلى 12 حالة وفاة داخل رحم الأم مقارنة بـ7 حالات تتوفى في الوضع الطبيعي.
وأظهرت أن عدد حالات الولادة خلال فترة العدوان في مستشفى الشفاء وصلت إلى 1642 حالة منها 1242 ولادة طبيعية و400 ولادة قيصرية منهم 105 حالة ولادة مبكرة بالإضافة إلى ولادة 44 توأم بينهم 3 توائم خمسة أطفال, منوهةً أن نسبة الإجهاض ارتفعت إلى 25% من حالات الولادة وأن حالات الفحص بسبب العدوان ارتفعت إلى 40% فهناك الكثير من اللواتي تعرضن لصدمات نفسية وانهيارات عصبية واصابات بفعل القصف الإسرائيلي الذي طال الشجر والحجر مما دفعهن للاطمئنان على وضع الجنين.
تلك الإحصائيات المرتفعة لها أسباب أوضحها د. علام أبو حامدة , استشاري طب الأطفال وحديثي الولادة في حوار لدنيا الوطن أجملها في عدةعوامل , قائلاً: "العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة دفع إلى نزوح أعداد هائلة من المواطنينمن جميع محافظات قطاع غزة إلى قلب المدينة, فمن بين هؤلاء المواطنين النساء الحوامل اللواتي ولدن في مستشفى الشفاء منهن حالات ولادة مبكرة بفعل عوامل العدوان الذي أثر عليهن من خوف وضغط رفعت من نسبة الولادة في مستشفى الشفاء الذي لا يحتوي إلا على 16 سرير للأطفال الخدج حديثي الولادة"
وتابع أبو حامدة , أن معدل الولادة في مستشفى الشفاء يصل ما بين 15 إلى 17 ألف مولود سنوياً وهذا عدد لا يقارن بعدد الأُسرة الـ16 الموجودة في المستشفى,فبسبب العدوان المعايير الطبية انحرفت في المستشفى, فأصبح بدلاً أن يوضع كل طفل على سرير لوحده أصبح يوضع ثلاثة وأربعة أطفال , كذلك في الحاضنة نفسها أصبح يوضع طفلين بدل طفل واحد وهذا خطر كبير على الأطفال, فقد تصيبهم عدوى جرثومة في أحدهم قد تنتقل بينهممما يشكل تهديداً كبير عليهم.
ومن الواضح أيضاً, أن نقص الأجهزة والصيانة والكادر الطبي بات واضحاً في قسم الحضانة بمستشفى الشفاء الذي يحتاج إلى مراقبة ومتابعة شديدة للحفاظ على حياة الأطفال, فبعد أن كان هناك 8 ممرضين يقومون بعملية المتابعة أصبح الآن فقط اثنين ممن يقوموا بتلك المهمة, وذلك بسبب عدم قدرة الباقين على المجيء إلى المستشفى بفعل القصف والتدمير في هذا العدوان, بحسب أبو حامدة.
6 ساعات بعد الولادة ثم خروج
الكثير من حالات الولادة لاقت عناءً شديداً في هذا العدوان,فكل حالة ولادة أنجبت معها قصة معاناة لم تنتهِ فصولها بعد , فبينما كنا نبحث بين أروقة أحد مدارس الوكالة "الأونروا" وجدنا الطفل البكر شريف حمدان (13 يوم) يرضع من رضاعة شبه فارغة من يد أمه زينب حمدان (19عام)المثقلة بالتعب والهموم.
تقول زينب بصوتها المرهق : " جاءت الحرب منهنا وبدأت الأوجاع تنهال علي من هنا, فآلم البطن والظهر والالتهابات لم تفارقني خلال هذا العدوان وأنا حامل,فكنت أبكي بشدة بسبب الألم وكنت أخاطر للذهاب إلى مستشفى كمال عدوان بسبب عدم وجود أي علاج المدرسة التي أوينا إليها"
وبعد أن وضعت طفلها في مستشفى العودة التي وصلتها بصعوبة بسبب عدم توفير المدرسة لها سيارة اسعاف , عادت إلى المدرسة بعد 6 ساعات من الولادة معتقدةً أنها لا تكفي لشفائها ,فالآلام لم تفارقها منها بسبب حصر البول, فعادت إلى المستشفى التي لم تستقبلها إلا بعد أن طلبوا منها أن تتحمل مسؤولية نفسها بحسب ما سردت زينب.
مروان الحويحي , المدير الإداري لمستشفى العودة, أوضح لمراسل دنيا الوطن, أن المستشفى لاتدع حالة ولادة دون التأكد من صحتها ومن صحة جنينها بعد انتهاء مدة الـ6 ساعات , وبعد ذلك يقوم المستشفى بإرسالها إلى المأوى التي تقيم فيه الحالة أو توصلها إلى منزلها حيث تشاء, مشيراً إلى أن شكوى الحالة بعد الولادة لا يأخذ بها فقط بل يأخذ أيضا بالفحوصات والمؤشرات الطبية التي تطمئننا على تلك الحالة فالكثير يحاول المبيت في المستشفى بحثاً عن الأمان, حيث أن المستشفى خلال العدوان أعلن حالة الطوارئ التي تجري من خلالها عمليات ولادة مجانية في شمال القطاع سواء كانوا مواطنين أو لاجئين.
وبين أن مستشفى العودة تحمل ضغطاً كبير خلال هذا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة , واصفاً أن الحالات كانت تصل من كل فجٍ ومكان,حيث استقبل قسم النساء والولادة بتاريخ 7/7 إلى تاريخ 4/8,أكثر من 2028 حالة منها 66 حالة إصابة نفسية و1506 حمل مهدد و30 حالة نزيف و20 حالة إجهاض و39 حالة ولادة مبكرة و304 حالة ولادة طارئة و63 حالة ولادة قيصرية.
غزة ما زالت تنجب
غزة ما زالت تنجب وإكرام سعدات (25عام) ما زالت تنظر في طفلها البكر محـمد (10أيام) الذي استشهد والده في هذا العدوان قبل أن يراه بأربعة أيام ليصبح يتيماً في بداية عهده, والتي هربت من موت كان محتماً بعد قصف مدرسة تابعة "للأونروا" في بيت حانون راح ضحيتها 20 شهيداً لتقوم بعدها بإجراء عملية قيصرية خشية أن يتعرض جنينها إلى خطرٍ بفعل هذا العدوان.
فمن المؤكد أن إكرام تقول في نفسها الان " لو لم يكن هناك احتلال إسرائيلي وعدوانلرأى زوجي طفله البكر واخترنا له اسماً جميل واستمتعنا بضحكاته ثم نذهب للسوق معاً لنشتري سرير نومه وملابسه و رضاعته وألعابه وعشنا معاً أجمل لحظات أسرية دون قتل وقصف ودمار لكن رحل زوجي ورحلت أحلام الأبوة والأمومة هنا , العدوان ما زال مستمر , ها أنا في مدرسة الإيواء أنتظر حتفي ".