22-07-2008 04:00 PM
( الى زايد ، صديقا في الشك ، صديقا في اليقين....)
أكثر ما يغيضني هذه الأيام اكتشافي أن الدنيا مليئة بالوحوش....
المقابر تبتلع المدن ، والتفاح لا يثمر الا قنفدا من دم...
كل شيئ يذوب بفعل التآكل ، والتآكل ليس بالطبيعة انما قد غدا فعل فاعل...
هذا الصراع المؤلم بين العبيد في مخزن الأمتعة في سفينة النخاسة ، يوجعني...
هذه الأيدي التي تسرق حليب الأطفال الصغار بكل قسوة ومكر تؤلمني...
هذا الزمن الذي يمر سريعا دون أن يتوقف النزف من جثث قتيلة على باب المخاتير الذين يصطفون بانتظار دور السيف عليهم ، يقززني...
الكرة الأرضية تنزع القناع بلا خوف ولا وجل
وأنا وأنت وكلنا ، والكرمة التي بباب الحوش ، والدار العتيقة ، وغنماتها والقطط ...
كلنا وحوش...
والقمح غير القمح ، والراعي ذئب القطيع
والمأساة الكبرى أن ليلى قد استبدلت شعرها الأشقر الجميل بقرنين ووشمت عينيها بالأزرق وصار لها أنياب...
وأنام ، بعد أن أقرأ كل ما أحفظ من القرآن وبعد أن أتوضأ بأحزاني ، وأيمم جراحاتي نحو الجنوب ...لكني أصحو فزعا وقلبي يظطرب ، أعاني فزعا شديد ..
.
مم أنا خائف ؟ ، لا أدري ، لكنني مرعوب ، وأذهب نحو ( الزير) وأشرب نبيذا وجدته مستشرقة عمياء منسيا في قبر قيل أنه لامرئ القيس، وأخرج زبور داوود ، أقرأ كي أطمئن، فلا أتقن ، وأعود الى القرن الرابع عشر ، أبحث عمن يحفظ شيئا مما يقوله الدين الجديد ، ولا أجد أحدا ..فأذهب الى عكاظ ولا أجد الا أبا لهب ، وأراه مثلما رأيت في المنام ،انسانا بفم ذئب ولسان أفعى وعيني قاتلة .. فأعود فزعا الى كنباية في غرفة الضيوف أستذكر سبب رعبي ، فأتذكر أني كنت قد رأيت ليلى من بعيد فسررت ونزعت عني مخاوفي وامتشقت الجسارة ومضيت ، كنت بريئا أفتح ذراعي لاحتضانها وعلى شفاهي ابتسامة طاهرة وفي عيني اشفاق وحنين، فجأة أدارت ووجهها الي فصحوت صارخا مرعوبا فزع...
الكل وحوش ...
وها نحن في غابة كبيرة،نرد النهر فلا نكتفي بنصيبنا ، بل نتقاتل لامتلاكه كاملا ، والغابة كبيرة ، تلتصق بأغصان أشجارها جثث لعصافير قد ماتت عطشا ، وأرضها مغطاة بجلود لغزلان قد نفقت جوعا ، وصوت الوحوش يعلو فوق صوت النسيم ، والليل يلتهم النهار ، والشتاء فصل وحيد ، وجهنم أمل...
أتذكر في ما مضى من عمري ، أن الملك ابن هند قد أراد أن يجعل من أمي خادمة لأمه ، فأنتفضت عليه وقطعت رأسه بالسيف ، وأذكر أني قد خرجت من الحيرة صوب الشمال ، وعلى حافة طريق جبلي وعر ، جلست لظل يطل على العالم ، فملأت فمي وبصقت...
وأقرأ لمؤنس الرزاز ،( مد اللسان الصغير في وجه العالم الكبير )
فأحاول ، لكني اكتشف أني لست عمرو بن كلثوم وأن لا سيف لدي ولا راية ولا لسان ، تجتمع الوحوش حولي ، هي في الحقيقة لا تجتمع ، أنا أمر بالشارع ، فتمر بي ، أو تعبر الطريق مسرعة ، كلها لا تكترث ، وتحاول اخفاء الحقيقة ، الا أن الحيلة لم تعد تنطلي علي وبت أقرأ حتى ما قد خفي...
وأتذكر ،الكثير من العيون الكاذبة الوقحة ، والكروش التي نمت حين سرق النمو ، والشفافية التي لا تشف ، وأجفان كأجفان الوحوش ، لا ترحم ولا ترف...
وأرى فلسطين ذابلة عيناها ازاء ابن لا يحملها الا كخريطة ، وعراق ، لم يعد كالعراق ، و ابتسامة الانتصار على وجه شرطي السير ، وفجاجة الدائنين ، واسترجع كلمات قالها أحدهم سبابا في بعد أن أدار عني وجها مبتسم ، أرى العيون المتحفزة لرؤية لحظة سقوط ، أستمع لتصريحات كاذبة يطلقها قرد فصيح ،وامرأة سمينة، حجابة مسترجله ، توقد الفحم تحت مرجل عظيم ، تطبخ فيه على نار هادئة روحي وحطام جسد....
في حفل خطبة سلطان العجلوني قبل اسبوعين ، كان الشاب الفقير المستلب يكتب في زاوية من الصيوان بكل تركيز وفي بث حي ومباشر ، غير مكترث بأحد ، يا ترى ماذا كتب ؟ ، وهل ذكر أنه تناول الكنافة بكل حفاوة مثل باقي الضيوف ...
طفل عاشق يجمع القصص والأشعار ، في ذهنه لا في الكتب ، كان قد غادر البيت صباحا قبل الصباح ، كي يوقظ الورد ، لكنه خرج ولم يعد ...التهمته الوردة...
امرأة مات زوجها ، فعملت كي تربي الأطفال ، كبر الأطفال سريعا ، وسريعا التهمتها العتمة...
وعاد الى الوطن بعد ابعاد طويل ، فقتل ، كان يرى الأرض وطن ، وتراه الأرض مغتصب...
و...و...!!!!!!!
تمر أمامي كشريط سينمائي كل الصور التي تخفي روح الوحوش وثقافة الوحوش ، كريهة مزدراة كرائحة فم الوحوش ، لكن ما يزيد قلقي ، انتقال الكثير من الصور الطيبة نحو هذا الفلم الطويل الذي يغدو يوما بعد آخر هو التوثيق الوحيد...
باختصار ، كلنا وحوش...
وها أنا ، سآكل عما قليل طفلا رضيع ، وسأغتصب حفيدتي ، وأبيع جدتي لأكلة لحوم البشر ، سأشرب ان عطشت من دمك أنت أيها القارئ ،وسأسرقك وأبيعك وأنت تباع كي تبايع ،طائعا غير ممانع ... وفي آخر الليل ، سأخرج من خزانتي ما تبقى لدي من قيم ومبادئ وأحلام وعشق وطفولة ، سأبيعها جميعا لعاشق سوف التهمه وحبيبته عند أول لقاء...
العالم ، بشع بما يزيد عن التحمل...
العالم جميل ، لكن ليس بما يكفي..
الكلمة تفقد معناها والأشياء غير الأشياء واننا (لفي خسر)
أود أن أقول:
أيها العالم....
لماذا كل هذه القسوة؟
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
22-07-2008 04:00 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |