16-08-2014 12:34 AM
سرايا - سرايا - بالرغم من مرور أكثر من قرن على ولادة لوحة "الحامل في الوطن العربي"، وأكثر من تسعين عاما على ظهور بشائرها الأولى في الأردن، إلا أنه ما يزال ينظر إلى الفن التشكيلي بشيء من "الريبة"، وفي كثير من المجتمعات العربية، ومنها الأردن، وذلك بوصفه فنا "دخيلا" على الثقافة العربية "الشفهية" أو السماعية"، هكذا يرى الفنان التشكيلي إياد كنعان.
ويبين كنعان في كتابه "تحولات الفن التشكيلي في الأردن من فك الارتباط إلى الربيع العربي- بحث مؤثرات ما بعد الحداثة"، الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، انه يحلو للبعض وصف الفن التشكيلي، بأنه فن "النخبة الثقافية او البرجوازية، ولا يتمتع بالشعبية المطلوبة ليزاحم بها فنونا أكثر إقبالا وانتشارا بين فئات المجتمع، كالشعر أو القصة أو الرواية أو المسرح أو الموسيقى أو السينما".
ويرى المؤلف أنه رغم تصاعد الاهتمام بالفن التشكيلي بشكل ملحوظ في الوطن العربي على امتداد القرنين العشرين والحادي والعشرين، وازدياد اعداد المقبلين على ممارسته ودراسته، وتنوع مشاربه واتجاهاته ومواده، وتنامي أعداد مريديه، إلا أنه ما يزال يعيش "عزلة" ثقافية لا تخفى عن كثيرين، لاسيما وانه أصبح أكثر بعدا عن مقدرة المتلقى العادي والمتخصص على الاستيعاب، ابتداء من مظاهر الاختزال التي كسرتها "الحداثة" التشكيلية، وصولا إلى "ألغاز" "ما بعد الحداثة"، التي أصبحت تشكل احجية تشكيلية وجمالية، لدى الفنان والمتلقي على حد سواء.
ويذكر أن مسيرة الفنان كنعان تمتد إلى ما يقارب العقدين من الاشتغال والبحث الدؤوب في إشكاليات العمل الفني ثنائي الإبعاد وثلاثي الأبعاد، وفق منطلقات تراوحت بين أساليب الحداثة التشكيلية وما بعد الحداثة، وبدأ كنعان مسيرته الفنية في العام 1993، وعمل بدايةً في صناعة القوالب المطاطية والجصيَّة.
وفي العام 1994 قرر السفر إلى بيروت للالتحاق بمعهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية، حيث شكلت بيروت بالنسبة له مناخاً خصباً ومعتركاً ثقافياً وإبداعياً، ومكنته من صقل ذائقته البصرية والجمالية.
قسم المؤلف الكتاب إلى ثلاثة فصول، حمل الفصل الأول عنوان:"(ما بعد الحداثة) المفاهيم الأساسية"، ويتعرض فيها إلى مفهوم "الحداثة" الغربية، ومظاهرها المختلفة مادية وفكرية. كذلك قما بالتعرض إلى جذور الحداثة في الثقافة العربية، واهم المواقف النقدية العربية منها. ثم التعرض إلى مفهوم "ما بعد الحداثة" في الثقافة الغربية المعاصرة، لجهة دراسة ولادة المصطلح، والإشكاليات المفهومية له، والإطار النظري للمفهوم، وتمثلات هذا المفهوم في الحقلين الاجتماعي والسياسي، متتبعا أهم التبدلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفنية التي رافقت التحول من مرحلة "الحداثة" الى "ما بعد الحداثة" الغربية، مستعرضين أهم المواقف الفكرية والنقدية منها.
ويتعرض في الفصل الثاني الذي جاء بعنوان: "التمثلات الثقافية لمفهوم (ما بعد الحداثة)"، إلى التمثلات مفهوم "ما بعد الحداثة" في الثقافة الغربية، خاصة لجهة دراسة ظهور تيارات "ما بعد الحداثة" في مجالي الفنون والعمارة، بالإضافة إلى دراسة مظاهر "ما بعد الحداثة" في حقول الإنتاج الإبداعي الغربي، خاصة في مجالي العمارة والفنون بشكل عام، والفن التشكيلي الغربي بشكل خاص. كذلك التعرض لانعكاسات مفهوم "ما بعد الحداثة" على الثقافة العربية المعاصرة. ضمن مظاهر انعكاسات مفهوم "ما بعد الحداثة" على مظاهر الحياة العربية السياسية والاجتماعية والثقافية.
بالإضافة إلى وقوفه على بعض ملامح ازمة مفهوم "ما بعد الحداثة" في الثقافة العربية، تتبع الكتاب مظاهر نفاذ مفهوم "ما بعد الحداثة"، إلى المجتمع الأردني، واهم العوامل التي أسهمت في ذلك، ناهيك عن تتبع لأجيال "ما بعد الحداثة"، الأردنية، واهم الملامح النقدية التي واكبت التحول من "الحداثة"، الى "ما بعد الحداثة"، في الفن التشكيلي في الأردن.
الفصل الثالث والأخير حمل عنوان: "تيارات (ما بعد الحداثة) في الفن التشكيلي في الاردن"، ويتعرض فيه لأهم تيارات "ما بعد الحداثة" الغربية التي تركت أثرا على نتاج الفنانين التشكيليين الأردنيين، واهم ممثليها في الفن التشكيلي في الأردن، مع استعراضنا لنماذج من أعمال الفنانين الأردنيين.
ويشدد كنعان على أن كتابه يهدف إلى "تعميق فهمنا" لمسألة تطور الفن التشكيلي في الأردن بوصفه جزءا من تطور الفن التشكيلي العربي والعالمي وليس معزولا عنه؛ والكشف عن المدارس والتيارات الفنية التي انتمى إليها الفنانون الأردنيون في الفترة المحصورة بين فك الارتباط بالضفة الغربية في العام 1988، وحتى ولادة "الربيع العربي" في العام 2010، وتبيان مرجعياتها الثقافية والفكرية والفلسفية والجمالية، وهي في الغالب أساليب وتيارات مجهولة لدى كثيرين، مسببة صعوبة في قبولها أو فهمها أو تذوقها.