16-08-2014 12:55 PM
بقلم : الدكتور صبري ربيحات
سرايا - على الحافة الشمالية للبادية الفاصلة بين شمال الاردن وجنوب سوريا وعلى واجهة الديار التي احتضنت عشائر العظمات والشرفات يجثم الجبل الذي حرس الاهالي وقطعانهم واحلامهم وذاكرتهم..
كان إقعيس راسيا على سطح الصحراء الممتدة في الفضاء الاردني اللامتناهي مثل الهة الاساطير اليونانية لالاف السنين.وكأنه يرقب القوافل العابرة للصحراء ويتابع سيرها ويمد المستكشفين والرواد بإطلالة على السهول وواحاتها وخطارها وغزاتها.....فللصحراء اسرارها وسحرها الذي لا يعرفه غير الذين احبوها...
من فرط تقدير اهلنا للجبل والديار وشكرهم لنعومة قسوتها حرص الاباء ان يعطوا لجنباتها وواحاتها اسماء تعبر عن الخير والخصب والحياة...فجاءت اسماء الاماكن مفعمة بالود والحب والانسنة ....فبت تشعر بان القرى صبايا...وامهات يحملن الحب والخير والدفء للاهل الذين احبوا الديار ..مثلما احبوا من سكنها .
على اطراف إقعيس الحامي وفي كنفه بنيت ام القطين تجاورها المكيفته. ..وفي الحوض الذي يناظر الجبل تنتظم الدفيانه....وصبحا وصبحية....والصالحية يرقبن انبلاج الفجر عن جبهته السمراء كل صباح بحب وتقدير وكبرياء.
...على قمة الجبل الاسمر العنيد وقف مئات الشعراء الذين سكبوا القوافي لتحمل مشاعر الوقوف على المشراف التي منحهم اياها الجبل الاسود....وثقوا به واحسوا بقربه من سماء عالمهم ....فباح له العشاق منهم....وصعد سنامه المكروبون....واستمع بصبر الى بوح المظلومين.
تشجع البعض منهم لدفن الاحبة في طيات الجبل الذي اعطاهم فرص ترقب الاحبة ومتابعة خطى الخطار....فعلى اكتافه نسجت الحكايا والقصص... وكتبت الاشعار وضربت المواعيد وتنفس البعض بعد الضيق...والبوح والهمس لحجارة القمم التي الفوها.
اليوم وبفضل كرم اصدقائنا ابناء البادية الشمالية التي تفيض نفوسهم حبا ونخوة التقى العشرات من ابناء الاردن والضيوف العرب على مائدة الباشا الطبيب متروك العون الذي يحرص على ان يديم اكفه ندية مثل كل رجالات بوادينا الذين لا يسعدهم موقف اكثر من الترحيب بضيوفهم.....وتوفير كل ما يبعث الراحة في نفوسهم.
كانت السهول الممتدة تقدم شهاداتها الحية على خصوبتها اللافتة وصدق عطائها الذي لا ينتهي.
إقعيس..الذي ظن انه ازلي كان اليوم حزينا...ويبعث على الكثير من الاسى والحيرة ..فالجبل الذي كان المفردة الاهم في لغة اهل الجبل وكل المارين. ...بدى يتلاشى بعد ان جاءت الات المستثمرين لتكسير راسه. وتفتيت جسمه...وايداع قوامه الاسمر الجميل الى اسنان المطاحن العملاقة التي جاءت لهرسه وتفريغه في ناقلات عملاقة تتجه به الى مزارع جيراننا الذين استحسنوا خصوبة صحرائنا وقرروا الاستيلاء على احد اهم جبالها غير ابهين لحجم التعلق الذي يسود علافة الاهل به والالق ااذي يضغيه الجبل على المكان والقدسية التي تحملها اجساد وارواح الاباء التى اودعت في جوف الجبل يوم كانت مقولتنا الاهم" يا جبل ما يهزك ريح"
يبدو ان الريح نالت منا ومن إقعيس فافسدت علينا الكثير من الاحلام والزمتنا ان نبحث عن اجابات اكثر اقناعا للابناء الذين سمعوا ان هناك جبلا فالتفتوا ولم يجدوه......
معذرة يا إقعيس.....ومعذرة يا مهند العظمات....وكل الشعراء....على ان شعركم .سيبقى ناقصا صورة سلبها الاستثمار...فجبل إقعيس الذي كان اشبه بالموانئ التي تحط عاى ارصفتها سفن الصحراء قد يصبح في قادم الايام اثرا بعد عين....بعد ان ادخل في برامج الاستثمار وتقرر تقطيعه ونثر ذراته مثل رفاة الهندوس فوق الاراضي او اراضي لتزداد خصبا...تحية للجبل الاسود....ولتاريخه..وكل اركان وجنبات الارض الطيبة التي ما ضاقت يوما باهلها...وما شكت بالرغم من ان اخلاق الرجال تضيق .